كثيرة ، ومساجده أثيرة ، وأرباضه حافلة ، وفي حلل الدوح رافلة ، وسككه غاصّة ، وأسواقه بالدكاكين متراصّة ، أقسم لربض من أرباضها أعمر من مدينة سلا ، وأبعد عن وجود الخلا ، واملأ مهما ذكر الملأ ، بلد منخرق منقطع منفرق ، ثلثه مقبرة خالية ، وثلثه خرب بالية ، وبعضه أخصاص وأقفاص ، ومعاطن وقلاص ، وأواري بقر تحلب ، ومعاطن سائمة تجلب.
وأما الإمارة ، فلمالقة القدح (٣٢٦) المعلّى ، والتّاج المحلّى ، وهو على كل حال بالفضل الأولى ، حيث مناهل المختص ، والخارج الأفيح الفحص. وسلا لا تأكل إلا من غرارة جالب ، لا من فلاحة كاسب. ومالقة مجتزئة بنفسها في الغالب ، محسبة من شرقيها وغربيها بطلب الطالب.
وأما النضارة ، فمن ادّعى أنّه ليس في الأرض مدينة أنضر منها جنابا ، ولا أغزر منها غروسا وأعنابا ، ولا آرج أزهارا ولا أضوأ نهارا ، لم تكذب دعواه ، ولا أزرى به هواه ، إنما هي كلّها روض وجابية وحوض بساتين قد رقمتها الأنهار وترنّمت بها الأطيار.
وسلا بلد عديم الظلال ، أجرد التلال ، إذا ذهب زمن الربيع والخصب المريع ، صار هشيما ، وأضحى ماؤها حميما ، وانقلب الفصل عذابا أليما.
أما المساكن ، فحسبك ما بمالقة من قصور بيض ، وملك طويل عريض جنّة السيد (٣٢٧) ، وما أدراك ما بها من جنّة دانية القطوف ، سامية السقوف ، ظاهرة المزية والشفوف ، إلى غيرها ممّا يشذّ عن الحصر ، إلى هذا العصر.
والجنّات التي ملأت السهل والجبل ، وتجاوزت الأمل ، بحيث لا أسد يمنع من الأصحار بالعشي والأسحار ، ولا لص يستجن بسببه في الديار.
__________________
(٣٢٦) القدح المعلى : السهم السابع في الميسر عند العرب في الجاهلية. وهو أكثر السهام ربحا.
والمعنى هنا مجازي للدلالة على علوّ شأن المدينة. انظر (ابن قتيبه : الميسر والقداح (القاهرة ١٣٤٣).
(٣٢٧) جنة السيد : يبدو أن هذا الاسم قد أطلق على قصر هناك لبعض أمراء الموحدين ، انظر : (Oliver Hurrtado : Granada y sus Monumentos arabes, p, ٥٦٣ y nota I)