الريب فلا يشي. برّ فأكثر ، ومهّد ووثّر ، وأدفأ ودثّر ، ورقّى بسور استنزاله فأثّر. فلمّا أزحت الكلفة وأقضمت جوادي العلفة ، وأعجبتني من رفقاء الرفق الألفة ، رمقت في بعض السقائف آمنا في زيّ خائف ، وشيخا طاف منه بالأرض طائف ، وسكن حتى اليمامة والطائف ، جنيب عكّاز ومثير شيب أثيث الوفرة ، وقسي ضلوع تؤثّر بالزفرة ، حكم له بياض الشيبة بالهيبة ، وقد دار بذراعه للسبحة الرقطاء حنش ، كما اختلط روم وحبش ، والى يمينه دلو فاهق ، وعن يساره تلميذ مراهق ، وأمامه حمار ناهق ، وهو يقول :
هم أسكنونا في ظلال بيوتهم |
|
ظلال بيوت أدفأت وأكنّت |
أبوا أن يملّونا ولو أن أمّنا |
|
تلاقي الذي يلقون منا لملّت |
حتى إذا اطمأن حلوله ، وأصحب ذلوله ، وتردّد إلى قيّم الخان زغلوله ، واستكبر لما جاءه بما يهواه رسوله ، استجمع قوّته واحتشد ، ورفع عقيرته وأنشد :
أشكو إلى الله ذهاب الشباب |
|
كم حسرة أورثني واكتئاب |
سدّ عن اللذات باب الصبا |
|
فزارت الأشجان من كل باب |
وغربة طالت فما تنتهي |
|
موصولة اليوم بيوم الحساب |
وشرّ نفس كلّما هملجت |
|
في الغي لم تقبل خطام المتاب |
يا رب شفّع في شيبي ولا |
|
تحرمني الزّلفى وحسن المآب |
ثم أنّ ، والليل قد جنّ ، فلم يبق في القوم إلا من أشفق وحنّ ، وقال وقد هزّته أريحيّة ، على الدنيا سلام وتحيّة ، فلقد نلنا الأوطار وركبنا الأخطار ، وأبعدنا المطار وافترقنا الأقطار ، وحلبنا الأشطار. فقال فتاه ، وقد افترّت عن الدرّ شفتاه ، مستثيرا لشجونه ، ومطلعا لنجوم همّه من دجونه ، ومدلا عليه بمجونه. وماذا بلغ الشيخ من أمدها أو رفع من عمدها حتى يقضى منه عجب ، أو يجلى منه محتجب؟ فأخذته حميّة الحفاظ لهذه الألفاظ ، وقال أي بنيّ ، مثلي من الأقطاب ، يخاطب بهذا الخطاب!! وأيم الله لقد عقدت الحلق ، ولبست من الدهر الجديد والخلق ، وفككت الغلق ، وأبعدت في الصبوة الطلق ، وخضت المنون ، وصدت الضبّ والنون ، وحذقت