الفنون ، وقهرت بعد سليمان الجنون ، وقضيت الديون ، ومرضت لمرض العيون وركبت الهمالج ، وتوسّدت الوذائل (٣٤٠) والدمالج ، وركضت الفاره ، واقتحمت المهالك والمكاره ، وجبت البلاد ، وحضرت الجلاد وأقمت الفصح والميلاد ، فعدت من بلاد الهند والصين بالعقل الرصين ، وحذقت بدار قسطنطين كتاب اللطين (٣٤١) ودست مدارس أصحاب الرّواق ورأيت غار الأرواح وشجر الوقواق ، وشريت حلل اليمن بأبخس ثمن ، وحللت من عدن ، حلول الروح من البدن ، ونظرت إلى قرن الغزالة إذا شدن ، وأزمعت عن العراقين سرى القين ، وشربت من ماء الرافدين باليدين ، وصلّيت بمحراب الدمنى ركعين ، وتركت الأثر للعين ، ووقفت حيث وقف الحكمان (٣٤٢) ، وتقابل التركمان ، وأخذت بالقدس ، عن الحبر الندس ، وركبت الولايا إلى بلاد العلايا بعد أن طفت بالبيت الشريف ، وحصلت بطيبة على الخصب والريف في فصل الخريف ، وقرأت بإخميم علم التصريف ، وأسرعت في الانحطاط إلى الفسطاط والمصر الرحب الاختطاط ، وسكنت مدينة الإسكندرية ثغر الرباط ، وعجلت بالمرور إلى تكرور ، فبعت الظل بالحرور ، ووقفت بإسبانية إلى الهيكل المزور ، وحصلت بأفريقية على الرفد غير المنزور ، وانحدرت إلى المغرب انحدار الشمس إلى المغرب ، وصمّمت تصميم الحسام الماضي المضرب ، ورابطت بالأندلس ثغر الإسلام ، وأعلمت بها تحت ظلال الأعلام. فآها والله على عمر مضى وخلّف مضضا ، وزمن انقضى وشمل قضى الله من تفرقة ما قضى ، ثم أجهش ببكائه ، وأعلن باشتكائه وأنشد :
لبسنا فلم نبل الزمان وأبلانا |
|
يتابع أخرانا على الغيّ أولانا |
ونغترّ بالآمال والعمر ينقضي |
|
فما كان بالرجعى إلى الله أولانا |
__________________
(٣٤٠) كذا في الأصل
(٣٤١) يقصد اللغة اللاتينية
(٣٤٢) الحكمان هما أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص ، أثناء النزاع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان.