فماذا عسى أن ينظر الدهر ما عسى |
|
فما انقاد للزجر الحثيث ولا لانا |
جزينا صنيع الله شرّ جزائه |
|
فلم نرع ما من سابق الفضل أولانا |
فيا ربّ عاملنا بما أنت أهله |
|
من العفو واجبر صدعنا أنت مولانا |
ثم قال :
لقد مات أخواني الصالحون |
|
فما لي صديق ولا لي عماد |
إذا أقبل الصبح ولىّ السرور |
|
وإن أقبل الليل ولىّ الرقاد |
فتملكتني له رقّة ، وهزّة للتماسك مسترقة ، فهجمت على مضجعه هجوما أنكره ، وراع شاءه وعكره ، وغطّى بفضل ردنه سكّره ، فقلت له على رسلك أيها الشيخ ، ناب حنّت إلى حوار ، وغريب أنس بجوار ، وحائر اهتدى بمنار ، ومقرور قصد إلى ضوء نار ، وطارق لا يفضح عيبا ، ولا يثلم غيبا ، ولا يهمل شيبا ، ولا يمنع سببا. ومنتاب يكسو الحلّة ، ويحسن الخلّة ، ويفرغ الغلّة ، ويملأ القلّة :
أجارتنا إنا غريبان هاهنا |
|
وكلّ غريب للغريب نسيب |
فلمّا وقم الهواجس وكبتها ، وتأمّل المخيلة واستثبتها ، تبسّم لما توسّم ، وسمح بعد ما جمح ، فهاج عقيما فتر ، ووصل ما بتر وأظهر ما خبّأ تحت ثوبه وستر ، وماج منه البحر الزاخر ، وأتى بما لا تستطيعه الأوائل ولا الأواخر.
وقال وقد ركض الفنون وأجالها ، وعدّد الحكم ورجالها ، وفجّر للأحاديث أنهارها وذكر البلدان وأخبارها.
لقد سئمت مآربي |
|
فكأنّ أطيبها خبيث |
إلا الحديث فإنه مثل اسمه أبدا حديث |
فلما ذهب الخجل والوجل ، وطال المرويّ والمرتجل ، وتوسّط الواقع وتشوّفت للنجوم المواقع ، وتوردت الخدود الفواقع ، قلت أيها الحبر ، واللج الذي لا يناله السّبر ، لا حجبك قبل عمر النهاية القبر ، وأعقب كسر أعداد عمرك المقابلة بالقبول والجبر ، كأنّا بالليل قد أظهر لوشك الرحيل الهلع ، والغرب الجشع لنجومه قد ابتلع ، ومفرّق الأحباب وهو الصبح قد طلع ، فأولني عارفة من معارفك أقتنيها ، واهزز لي أفنان حكمك أجتنيها. فقال