أمل ميسّر ، ومجمل يحتاج أن يفسر ، فأوضح الملغز ، وأبن لي الطلا من البرغز ، وسل عمّا بدا لك فهو أجدى لك ، فأقسم لا تسألني عن غامض ، وحلو وحامض ، إلا أوسعته علما وبيانا ، وأريتك الحق عيانا. قلت صف لي البلاد وصفا لا يظلم مثقالا ، ولا يعمل في الصدق وخدا ولا إرقالا (٣٤٣) ، وإذا قلتم فاعدلوا ومن أصدق من الله مقالا. فقال سل ولا تسل ولو راعك الأسل. قلت أنقض لي البلاد الأندلسية من أطرافها ، وميّز بميزان الحق بين اعتدالها وانحرافها ، ثم اتلها بالبلاد المرينية نسقا ، واجل بنور بيانك غسقا وهات ما تقول في جبل الفتح (٣٤٤).
قال فاتحة الكتاب من مصحف ذلك الإقليم ، ولطيفه السميع العليم ، وقصص المهارق ، وأفق البارق ، ومتحف هذا الوطن المباين للأرض المفارق. مأهل العقيق وبارق ، ومحطّ طارقها بالفتح طارق ، إرم البلاد التي لم يخلق مثله فيها ، وذا المناقب التي لا تحصرها الألسنة ولا توفيها حجزه البحر حتى لم يبق إلا خصر ، فلا يناله من غير تلك الفرصة ضيق ولا حصر. وأطلّ بأعلاه قصر ، وأظله فتح من الله ونصر ، ساوق سوره البحر فأعياه ، قد تهلل بالكلس محيّاه ، واستقبل الثغر الغريب فحيّاه ، وأطرد صنع الله فيه من عدو يكفيه ، ولطف يخفيه ، وداء عضال يشفيه ، فهو خلوة العبّاد ومقام العاكف والباد ، ومسلحة من وراءه من العباد ، وشقّة القلوب المسلمة والأكباد. هواؤه صحيح ، وثراه بالخزين شحيح ، وتجر الرباط فيه ربيح ،
__________________
(٣٤٣) الوخد والإرقال السير السريع
(٣٤٤) جبل الفتح هو جبل طارق بن زياد وهو يسمّى اليوم.Gibraltar وهذا الجبل كان يطلق عليه قبل الفتح الإسلامي أسماء عديدة أهمّها الاسم الفينيقي Calpe ومعناه تجويف ، إذ كان هذا الاسم يطلق أصلا على مغارة كبيرة في هذا الجبل عرفت فيما بعد باسم مغارة القدّيس ميخائيل.San Miguel وبعد الفتح الإسلامي عرف هذا الجبل باسم الصخرة وجبل الفتح كما عرف أيضا بجبل طارق وهو الاسم المعروف به حتى اليوم. ومضيق جبل طارق أو بحر الزقاق ، ذراع ضيّق من الماء يبلغ عرضه في أضيق جهاته حوالي ١٥ ك. م وهي مسافة لا وزن لها من ناحية الانتشار العسكري بين الشاطئين الإفريقي والإسباني. ومن هنا نشأ صراع تقليدي مستمر بين الشاطئ الأوروبي والشاطئ الإفريقي حول السيطرة على هذا المضيق ، منذ أقدم العصور حتى وقتنا الحاضر انظر (Jose Carlos de Luna : Historia de Gibraltar) راجع كذلك ما كتبه زيبولدSeybold من هذا الموضوع في (Ene.IsI.II P.٩٧١.٠٨١)