ويقضي بفضله كل ذي عقل رصين ، سبب عزّه متين ، ومادة قوته شعير وتين قد علم أهله مشربهم ، وأمنوا مهربهم ، وأسهلت بين يديه قراه ، مائلة بحيث تراه ، وجاد بالسمك واديه ، وبالحب ثراه ، وعرف شأنه بأرض النوب ، ومنه يظهر سهيل من كواكب الجنوب ، إلا أن سواحله بلّ (٣٥١) الغارة البحرية ، ومهبط السرية غير السرية ، الخليقة بالحذر الحريّة ، ومسرح السائمة الأميرية ، وخدّامها كما علمت أولئك هم شرّ البرية.
قلت فمدينة مالقة (٣٥٢) ، فقال : وما أقول في الدرّة الوسيطة ، وفردوس
__________________
مقتولا. فبينما أنا هنالك إذ سمعت الصياح من خلفي. وكنت قد تقدمت أصحابي فعدت إليهم ، فوجدت معهم قائد حصن سهيل فأعلمني أن أربعة أجفان للعدو ظهرت هنالك ، ونزل بعض عمارتها إلى البر ، ولم يكن الناظور بالبرج فمرّ بهم الفرسان الخارجون من مربله وكانوا اثني عشر ، فقتل النصارى أحدهم وفرّ واحد وأسر العشرة وقتل معهم رجل حوات وهو الذي وجدت قفته مطروحة بالأرض. وأشار على ذلك القائد بالمبيت معه في موضعه ليوصلني منه إلى مالقه ، فبتّ عنده بحصن الرابط المنسوبة إلى سهيل والأجفان المذكورة مرساة عليه ، وركب معي بالغد فوصلنا إلى مدينة مالقه. راجع (رحلة ابن بطوطه المسمّاة تحفة النظار في غرائب الأمصار ، ج ٢ ، ص ١٨٥)
(٣٥١) في نسخ أخرى تقرأ فل أو جل
(٣٥٢) مالقةMalaca مدينة ساحلية معروفة بجنوب شرق الأندلس أسسها الفينيقيون عام ١٢٠٠ ق. م وأعطوها اسم Malaca ومعناه المملح وذلك نسبة إلى مستودعات الأسماك المملحة التي كانت تعمل وتحفظ فيها. واشتهرت مالقه إلى جانب ذلك بزراعة الفواكه الممتازة لا سيما التين والرمان كما اشتهرت بصناعة الفخارCeramic أما من الناحية السياسية فكانت عاصمة الحموديين الأدراسة أيام ملوك الطوائف كما كانت تعتبر العاصمة الثانية بعد مدينة غرناطة أيام ملوك بني الأحمر. وقد كتب عنها كثير من الكتاب المسلمين وعلى رأسهم لسان الدين بن الخطيب كما سبق أن بينا نقتصر الآن على ما ذكره عنها ابن بطوطة باعتباره معاصرا لابن الخطيب يقول : (فوصلنا مدينة مالقه إحدى قواعد الأندلس وبلادها الحسان ، جامعة بين مرافق البر والبحر كثيرة الخيرات والفواكه. رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير ، ورمانها المرسى الياقوتي لا نظير له في الدنيا. وأما التين واللوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلاد المشرق والمغرب ... وبمالقه يصنع الفخار المذهب العجيب ، ويجب منها إلى أقاصي البلاد. ومسجدها كبير الساحة ، شهير البركة ، وصحنه لا نظير له في الحسن ، فيه أشجار النارنج البعيدة ، ولما دخلت مالقه ، وجدت قاضيها أبا عبد الله ... الطنجالي قاعدا لجامع الأعظم ومعه الفقهاء ووجوده الناس يجمعون مالا برسم الأسارى الذي تقدم ذكرهم ، فقلت والحمد لله الذي عافاني ولم يجعلني منهم وأخبرته بما اتفق لي بعدهم فعجب من ذلك وبعث إلى بالضيافة رحمهالله). انظر (رحلة ابن بطوطه ج ٢ ، ص ١٨٦ ـ ١٨٧) راجع كذلك ما كتبه ابن سعيد المغربي في وصف مالقة (المقري : نفح الطيب ـ