وعلى ذلك فطينها يشقى به قطينها ، وأزبالها تحيّى بها سبالها ، وسروبها يستملّ منها مشروبها. فسحنها (٣٥٥) متغيّرة ، وكواكب أذهانها النيّرة متحيّرة ، وأقطارها جدّ شاسعة ، وأزقّتها حرجة غير واسعة ، وآبارها تفسدها أزفارها وطعامها لا يقبل الاختزان ، ولا يحفظ الوزان ، وفقيرها لا يفارق الأحزان ، غير القسط أصواتها ، وأرحيتها تطرقها النوائب ، وتصيب أهدافها السهام الصوائب ، وتعد لها الجنائب (٣٥٦) ، وتستخدم فيها الصّبا والجنائب (٣٥٧) وديارها الآهلة قد صمّ بالنزائل صداها ، وأضحت بلاقع بما كسبت يداها ، وعين أعيانها أثر ، ورسم مجادتها قد دثر ، والدهر لا يقول لعا لمن عثر ، ولا ينظم شملا اذا انتثر. وكيف لا يتعلّق الذام ببلد يكثر به الجذام ، محلّة بلواه آهله ، والنفوس بمعرّة عدواه جاهله.
ثم تبسّم عند انشراح صدر ، وذكر قصّة الزبرقان بن بدر : (٣٥٨)
تقول هذا مجاج النحل تمدحه |
|
وإن ذممت فقل قيء الزنابير |
مدح وذم وعين الشيء واحدة |
|
إن البيان يري الظلماء في النور |
فبليّش (٣٥٩) قال حادها المطر الصّيّب ، فنعم البلد الطيّب ، حلى ونحر وبرّ ولوز وتين ، وسبب من الأمن متين ، وبلد أمين ، وعقار ثمين ، وفواكه عن شمال ويمين ، وفلاحة مدعى انجابها لا يمين ، إلا أن التشاجر بها أنمى
__________________
(٣٥٥) في نسخ أخرى كتبت : فساحاتها ، فسخمها
(٣٥٦) الجنائب هنا بمعنى الدواب
(٣٥٧) الصبا والجنائب بمعنى رياح الشمال والجنوب
(٣٥٨) هذا الشعر كتبه سيمونيت على شكل نثر راجع (Simonet : Op.cit.p.٧)
(٣٥٩) بليش ، تحريف لكلمة اللاتينيةVallis بمعنى وادي ، وتسمّى الآن Velez وتقع في غرب مالقه بنحو ٣٤ ك. م وقد وصفها ابن بطوطه بقوله : وهي مدينة حسنة ، بها مسجد عجيب ، وفيها الأعناب والفواكه والتين مثل مالقه (رحلة ابن بطوطة ، ج ٢ ، ص ١٨٧). ونظرا لأن اسم بليش قد أطلق على أماكن أندلسية أخرى ، فقد سمّيت هذه البلدة باسم Velez Malaga لجوارها مدينة مالقه. وسنرى في الصفحات القليلة القادمة أن ابن الخطيب يعيد ذكر بليش مرة أخرى ، وهو في الواقع يقصد بلدة أخرى بهذا الاسم تعرف اليوم باسم Velez Rubio وتقع بجوار مدينة لورقه. راجع (F. Simonet : Deacripcion del reino de Granada p. p. ٣٩, ١١١)