من الشجر ، والقلوب أقسى من الحجر ، ونفوس أهلها بيّنة الحسد والضجر وشأنها غيبة ونميمة ، وخبيث مائها على ما سوّغ الله من آلائها تميمة.
قلت فقمارش (٣٦٠) ، قال مودع الوفر ، ومحطّ السفر ، ومزاحم الفرقد والغفر ، حيث الماء المعين ، والقوت المعين ، لا يخامر قلب الثائر به خطرة وجله ، إلا من أجله ، طالما فزعت إليه نفوس الملوك الأخائر بالذخائر ، وشقّت عليه أكياس المرائر في الضرائر وبه الأعناب التي راق بها الجناب ، والزياتين واللوز والتين ، والحرث الذي له التمكين ، والمكان المكين ، إلا أنه عدم سهله ، وعظم جهله ، فلا يصلح فيه إلا أهله.
قلت فالمنكّب (٣٦١) ، قال مرفأ السفن ومحطّها ، ومنزل عباد المسيح ومختطّها. بلدة معقلها منيع ، وبردها صنيع ، ومحاسنها غير ذات تقنيع. القصر المفتّح الطيقان ، المحكم الاتقان ، والمسجد المشرف المكان ، والأثر المنبئ عن كان وكان ، كأنه مبرد واقف ، أو عمود في يد مثاقف ، قد أخذ من الدهر الأمان ، تشبّه بصرح هامان ، وأرهفت جوانبه بالصخر المنحوت ، وكاد أن يصل ما بين الحوت والحوت (٣٦٢) غصّت بقصب السكر أرضها ، واستوعب فيها طولها وعرضها زبيبها فائق ، وجنابها رائق.
وقد متّ إليها جبل الشوار (٣٦٣) بنسب الجوار ، منشأ الأسطول ، فوعدها
__________________
(٣٦٠) قمارش : وتسمى الآن Comares وتقع بالقرب من مدينة غرناطة وكانت تعد من الحصون القوية الهامة في مملكة غرناطه
(٣٦١) المنكب : يبدو انه اسم عربي بمعنى الحصن المرتفع ويسمّى اليوم Almunecar أما الاسم القديم لهذا المكان فهوSexi وهو مرفأ ساحلي مرتفع في جنوب شرق الأندلس بمقاطعة غرناطة. وبهذا المرسى نزل الأمير عبد الرحمن بن معاوية عند دخوله الأندلس في ربيع الأول سنة ١٣٨ ه (سبتمبر ٧٥٥ م) وقد لقّب عبد الرحمن بعد ذلك بالداخل. راجع ما كتبه الإدريسي عن هذه البلدة وآثارها في كتابه (نزهة المشتاق ص ١٩٩ ، تشر دوزي ، دي خويه ١٨٦٦) راجع كذلك (الروض المعطار ص ١٨٦)
(٣٦٢) الحوت الأول بمعنى السمك والحوت الثانية بمعنى نجم والمعنى هنا مجازي يريد أن يصور عظم ارتفاع هذا القصر.
(٣٦٣) لعله يريد بجبل الشوار ، جبل شلير وهو تحريف للاسم اللاتيني القديم Solorius أوMons Solarius أي جبل الشمس وذلك لشدة لمعانه نتيجة لانعكاس أشعة الشمس على قممه المغطّاة بالثلوج الناصعة صيفا وشتاء. ويعرف هذا الجبل اليوم باسم سييرا نيفاداSierra Nevada أي الجبال المثلجة. انظر (الروض المعطار ص ١١٢) انظر كذلك (Simonet ,OP.cit.p ٧٤)