قلت فمدينة بسطة (٣٩٦) ، قال وما بسطة بلد خصيب ، ومدينة لها من اسمها نصيب ، دوحها متدلّ ، وطيب هوائها غير متبدل وناهيك من بلد اختص أهله بالمران في معالجة الزعفران ، وامتازوا به عن غيرهم من الجيران. عمّت أرضها السّقيا فلا تخلف ، وشملتها البركة تختص من يشاء الله ويزلف. يتخلل مدينتها الجدول المتدافع ، والناقع للعلل النافع. ثياب أهلها بالعبير تتأرّج ، وحورها تتجلى وتتبرج ، وولدانها في شط أنهارها المتعدّدة تتفرج. ولها الفحص الذي يسافر فيه الطرف سعيا ، ولا تعدم السائمة به ريّا ولا رعيا.
ولله در القائل :
في بلدة عوّدت نفسي بها |
|
إذ في اسمها طه وياسين |
ألجأني الدهر إلى عالم |
|
يؤخذ منه العلم والدين |
إلا أن تربتها تفضح البناء ، وإن صحبه الاعتناء ، فأسوارها تسجد عند الإقامة وخندقها لاكسارها (٣٩٧) تلقامه (٣٩٨) فهي لذلك خير دار مقامه.
ورياحها عاصفة ورعودها قاصفة ، وحاميتها تنظر إلى الهياج ، من خلف سياج ، فالعدوّ فيها شديد الفتكات ، معمل الحركات ، وساكنها دائم الشكات ، وحدّها فليل وعزيزها لتوقع المكروه ذليل.
قلت فأشكر (٣٩٩) ، قال نعم البسيط المديد ، والرزق الجديد ، والسعي العديد ، والصيد القديد. تركب الجداول فحصها ، ويأبى الكمال نقصها ، ويلازم ظل الخصب شخصها. مسرح البهائم ، ومعدن الرعي الدائم ، إلا أن معقلها لا يمنع ، ومكانها يحوم عليه الحادث الأشنع ، ونفوس أهلها مستسلمة لما الله يصنع.
__________________
(٣٩٦) Baza راجع صفحة (٢١) حاشية (١) من هذا الكتاب.
(٣٩٧) اكسار وكسور ما تكسر وتثنى على الأرض.
(٣٩٨) يقال رجل تلقام وتلقامة أي عظيم اللقم. أي أن خندقها ممتلئ بما تكسر من الأسوار والمباني.
(٣٩٩) أشكر بلدة في ولاية غرناطة وتسمّى الآن Huescar وتقع في شمال بسطه. وكانت هذه البلدة موضع حروب ومنازعات بين المسلمين والنصارى أيام ابن الخطيب راجع Simonet Op.cit.p. (٣٦).