العدو طوى ذيل بردها ، وغصب بنياتها (٤٤١) ، وكيف السبيل إلى ردّها ، وأضاق خارجها وخفض معارجها ، وأعلى طائرها ودارجها.
فلمّا بلغ هذا الحد قال هل اكتفيت؟ فقد شرحت صدرك وشفيت ، وبما طلبت مني وقد وفيت ، يا بني كأني بالصباح السافر ، وادهم الظلام النافر ، قد أجفل أمام مقنّبه الوافر ، وترك من الهلال نعل الحافر ، ونفسي مطيتي ، وقد بلغت الليلة طيتي ، وأجزلت عطيتي ، فلنجمّ بالحمض ، ونلم بالغمض ، وأنا بعد نزيلك إن سرني جزيلك ، وعديلك إن ضحك إلّي منديلك ، وسميرك إن رواني نميرك ، فبادرت البدرة ففضضتها ، والصرة فاقتضضتها ، والعيبة فنفضتها ، والمعادن فأفضتها. فقال بوركت من مواس ، وأنشد قول أبي نواس :
ما من يد من الناس واحدة |
|
كيد أبو العباس أولاها |
نام الثقات على مضاجعهم |
|
وسرى إلى نفسي فأحياها |
ثم قال ، نم في أمان ، من خطوب الزمان ، وقم في ضمان من وقاية الرحمان فلعمري وما عمري عليّ بهينّ ، ولا الحلف على بمتعينّ ، لو كان الجود ثمرا لكنت لبابه ، أو عمرا لكنت شبابه ، أو منزلا لكنت بابه. فما هو إلا أن كحلت جفني بميل الرقاد ، وقدت طرفه سلس المقاد ، وقام قيّم الخان إلى عادة الافتقاد ، وبادر سراجه بالإيقاد ؛ ونظرت إلى مضجع الشيخ ليس فيه إلا زئبر أطماره ، وروث حماره ، فخرجت لإيثاره ، مقتفيا لآثاره ، فكأن الفلك لفّه في مداره ، أو خسفت الأرض به وبداره. وسرت وفي قلبي لبينه وذهاب أثره ، وعينه حرقه ، وقلت متأسّيا لكل اجتماع من خليلين فرقه.
المجلس الثاني
قال المخبر ، فلما اندمل جرح الفراق بعد طول ، وزمان ممطول ، ومحا
__________________
(٤٤١) لا ينبغي أن يفهم من هذا أن مدينة رندة سقطت في يد الإسبان في ذلك الوقت. فالذي أعلمه أن مدينة رندة كانت من ضمن القواعد الاستراتيجية الأندلسية التابعة لسلطان بني مرين بالمغرب. وظلت كذلك إلى أن استولى عليها سلطان غرناطة محمد الغني بالله (الخامس) في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي ولم يستول عليها القشتاليون إلا بخدعة سنة ١٤٨٥ م (٨٩٠ ه) والمقصود هنا بعض سهولها.