رسم التذكّر تكرّر فصول ، ونصول خضاب نصول. بينا أنا ذات يوم في بعض أسواق الغبار ، أسرّح طرف الاعتبار ، في أمم تنسل من كل حدب ، وتنتدب من كل منتدى ومنتدب ، ما بين مشتمل للصّماء يلويها ، ولائث للعمامة لا يسويّها ، ومتلفّظ بالشهادة وهو لا ينويها ، وصاعد من غور ، ومتظلّم من جور ، وممسك بذنب عير أو روق ثور ، يموجون ، ومن الأجداث يخرجون ، كأنّهم النمل نشرها وقد برزت للشمس من مطر الأمس يشيرون بأجنحة الأكسية ، ويتساقطون على ثماد القلب وأسآر (٤٤٢) الأحسية ، وقد اصطفّ ذابحو الجزور ، وبائعوا اللبوب (٤٤٣) والبزور (٤٤٤) ، ولصق بالأملياء حللة العقد وشهدة الزور ، ونظرت في ذلك المجتمع ، الهائل المرأى والمستمع ، إلى درسة غيّ ، وطهارة كيّ ، ورقاة جنون ، بضروب من القول وفنون ، وفيهم كهل قد استظلّ بقيطون (٤٤٥) ، وسلّ سيف لاطون (٤٤٦) ، وتحدى برقية لديغ ومداواة مبطون. قد اشتمل بسمل غفاره ، وبين يديه غبار في جلد فاره ، وطحن من إطعام كفارة ، وأمامه تلميذ قد شمّر الأكمام ، والتفت الخلف والأمام ، وصرف لوحي لحظة الاهتمام ، وهو يأسو ويجرح ، ويتكلّم بلسان القوم ثم يشرح ، ويقيد من حضره بقيد العزيمة فلا يبرح ، ويقول أيها البهم السارح ، والحزب المسرور بما لديه الفارح ، والسرب الذي تقتاته لولاة البغي الجوارح ، صرفتم غروب اعتنائكم لمآرب نسائكم وأبنائكم ، وذهلتم عمّن حلّ بفنائكم ، وجعلتم تطمعون وتجمعون ، إنما يستجيب الذين يسمعون ، من وقعت عليّ منكم عينه ، فقد رأى فاتح أقفال
__________________
(٤٤٢) السؤر ما يبقى في الإناء ، سئر سأرا الشيء : بقي.
(٤٤٣) يقصد الجوز واللوز.
(٤٤٤) البزور والأبزار أي التوابل
(٤٤٥) قيطون وجمعها قياطين بمعنى خيمة في لغة أهل المغرب ، ويقولون للبيت بجانب البيت المسكون قيطون (Dozy : Supplement aux Dictonnaires Arabes II P. ٨٧٣) راجع كذلك عبد العزيز الأهواني : ألفاظ مغربية من كتاب ابن هشام اللخمي في لحن العامة. مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد الثالث الجزء الثاني نوفمبر ١٩٥٧.
(٤٤٦) لعلّها مشتقة من الكلمة الإسبانية لاطون Laton بمعنى النحاس وقد استعملها المقّري في كتابه نفح الطيب. راجع (Dozy : Suppl.II p.٨١٦)