الأسرار ، ومثبت الفرّار ومصمت أولئك الصرار ، ومغوّر مياه الآبار بيسير الغبار ، ومخرج الإضمار في المضمار ، ومذهب المس وطارد العمّار (٤٤٧). أنا قاطع الدماء إذا نزفت ، وكاشف الغمّاء إذا ما انكشفت أهنأ الإبل فلا تجرب ، واخطّ حول الحمى فلا تدنو السباع ولا تقرب ، وادخنّ بها فلا تتسلل الحيّة ولا تدب العقرب. إن نعيت الشمس لوقت محدود طمس فيها نورها ، وأن وعدت الأرض بريّ محمود فار تنورها ، وإن كتبت لعقد النكاح انحلّت ، وإن عقلت خطى الضالة وقفت حيث حلّت وإن زجرت الجنون تركت وخلّت ، وإن استثرت الدفائن ألقت الأرض ما فيها وتخلّت. أنا جردت البيضة الشعراء ، وزوّجت الفتى الشرقي من الجارية العذراء. أنا صافحت الملك ، ورصدت الفلك ، ومزجت بسرّ الحكمة الضياء والحلك ، فاحتقرت الملك وما ملك.
دعوت علم الطباع فأطاع ، وقطعت شكوك الهيئة بالشكل القطاع ، وقلت بالقدر وبالاستطباع ، وسبقت في صناعة البرهان يوم الرهان ، ورضت صعاب الرياضيات حتى ذلّ قيادها ، وسهل انقيادها ، وعدّلت الكواكب واختبرت القلوب البابانيّة والمناكب ، وبشّرت عند رجوع خنّسها (٤٤٨) بالغيوث السواكب. ووقفت بالامتحان ، على صناعة الألحان ، وقرأت ما بعد الطبيعة ، وناظرت قسيس البيعة (٤٤٩) ، وأعملت في الاصول ، مرهفة النصول ،
__________________
(٤٤٧) العمار : سكان البيوت من الجن
(٤٤٨) الخنّس الكواكب كلها وقيل السيارات منها فقط أو بعضها وقيل هي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد.
(٤٤٩) من الأشياء المألوفة في تاريخ الأندلس ، أن يتقن عدد كبير من الإسبان المسيحيين اللغة العربية ، وهؤلاء عرفوا بالمستعربين كذلك كان الحال بالنسبة للأندلسيين المسلمين الذين أتقنوا لغة جيرانهم المسيحيين أمثال القشتاليين والأراجونيين. وقد نتج عن ذلك حدوث مجادلات ومناقشات دينية وعلمية مختلفة بين علماء المسيحية والإسلام. فابن الخطيب في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة (لوحة ١١١ نسخة الاسكوريال) يروي أن أحد المعاصرين له واسمه محمد بن لب الكناني المالقي ، كان يطوف بالبلاد الإسبانية ويناقش قساوستها في أصول الديانتين الإسلامية والمسيحية. ويروي في موضع آخر أنه في أيام الملك الإسباني الفونسو العاشر الملقّب بالحكيم أو العالم El Sabio في القرن الثالث عشر الميلادي ، كان العالم الغرناطي محمد الرقوطي يعلم المسيحيين واليهود في مدرسة مرسية (الإحاطة لوحة ١٠٧). كذلك يروي ـ