وأحكمت أمزجة الطباع وطبائع الفصول ، وامتزت بالبروع في الفروع ، وقمت في العهد الحديث بالحديث ، وحزت في علم اللسان درجة الإحسان. وحقّقت قسمة الفروض ، وعدّلت الشعر بميزان العروض ، ونظمت ونثرت وأكثرت فما عثرت ، وعبّرت حلم النوم ، ولبست الخرقة بشرط القوم ، ولزمت خلوة الذكر ومعتكف الصوم ، وأما معرفتي بالأخبار ، وذرع الأرض بالأشبار ، ما بين جليقية إلى الأنبار ، وأوصاف المدن الكبار ، فقد ثبت بالاختبار ، قال فأثار قديمي وأذكرني بنديمي ، فقلت الله أكبر ، أوضح الخبر المخبر ، فخضت إليه من بيني وبينه وهم بحر زاخر ، وأوّل ليس له آخر ، وبهم يسخر منه الساخر ، ما بين كبش مجتر وعجل ناخر ، وقلت أيها الحبر ، ضالّتي قريب أمدها ، معروف معتمدها ، وعلى ذلك فالشكر ممنوح ، والرفد طوفان نوح ، فألن العريكة ، وسلّم النطع والأريكة.
وقال أجل واعرض ، وأنزل السؤال وافرض. فقلت بي إلى تعرّف البلدان جنوح وجنون ، والجنون فنون ، وقد ظفرت قبلك بنقاب ، وعود احتقاب ، وسارب أنقاب ، حصل به من طلبي الشكر ، وبك يتم الشطر ، ويعظم الخطر. فقال الناس متهم ومنجد ، وخاذل وممجد ، ولا تجود يد إلا بما تجد ، والله المرشد ، وجعل ينشد :
__________________
ابن الخطيب في وضع ثالث (إحاطة لوحة ٢٢٢) أن العالم الغرناطي عبد الله بن سهل (في القرن الثالث عشر الميلادي) كانت له شهرة كبيرة في العلوم الرياضية لدرجة أن المسيحيين في شتى نواحي إسبانيا ولا سيما مدينة طليطلة ، كانوا يرحلون إلى داره في مدينة بياسةBaeza لمجادلته والاستفادة من علمه. ولا ندري إن كان ابن الخطيب نفسه كان يعرف القشتالية أم لا ، ففي حوليات ملوك قشتالة التي كتبها القائد الإسباني LoPez de Ayala ، وهو معاصر لابن الخطيب ، نجد مجموعة من الرسائل القشتالية موجهة من ابن الخطيب إلى ملك قشتاله في ذلك الوقت بطرس القاسي Pedro el cruel ويظهر في هذه الرسائل الإسبانية أيضا ، أسلوب ابن الخطيب المعقد باستعاراته وكناياته ومحسناته البديعية. على أننا في الوقت نفسه لا نستبعد أيضا أن يكون ابن الخطيب قد كتب هذه الرسائل بمعاونة بعض المترجمين ، إذ من المعروف أن قصر الحمراء كان يحتوي على إدارة خاصة لترجمة رسائل الدولة الرسمية إلى ملوك الدول المجاورة راجع (Lopez de Ayala : Cronicas de los Reyes de Castilla I PP. ٣٨٤ ـ ٣٩٤) راجع كذلك) Los Documentos arabes diplomaticos del archivo de la Corona (de Aragon. Publicados y traducidos al castellano por M, Alarcon y R. G. de Linares p. p. ١١٤ ـ ٥١٤.