القول وجه الله فاطلب ثوابك من الله ، وإن كنت إنّما اعتريت به رضا الناس وطلب أموالهم فاكدم الجندل (١) ، فو الله ما من قال قولا لغير الله ولا في غير ذات الله بأهل أن يخل ، ولا أن يوصل ، فقال له : عضضت بأير أبيك فرفع يزيد السوط وقال ألا ابن شميط (٢) : تقول هذا القول يا فاسق ، وقال لابن الشّميط اضربه بالسيف ، فرفع ابن شميط عليه السيف ، ووثب أصحابهما يتفلّتون على ابن همّام. فأخذ بيده إبراهيم بن الأشتر ، فألقاه وراءه ، وقال : أنا له جار ، لم تأتون إليه ما أرى ، فو الله إنه لواصل الولاية ، راض بما نحن عليه ، حسن الثناء ، فإن أنتم لم تكافئوه بحسن ثنائه ، ولا تشتموا عرضه ، ولا تسفكوا دمه ، ووثبت مذحج ، فحالت دونه ، وقالوا : أجاره ابن الأشتر ، لا والله لا يوصل إليه.
قال : وسمع لغطهم المختار ، فخرج إليهم ، فأومأ بيده إليهم ، أن اجلسوا ، فجلسوا ، وقال لهم : إذا قيل للمرء خيرا فاقبلوا ، وإن قدرتم على مكافأته فافعلوا ، وإن لم تقدروا على مكافأته (٣) فتنصّلوا ، واتّقوا لسان الشاعر ، فإنّ شره حاضر ، وقوله فاجر ، وسعيه بائر ، وهو بكم غدا غادر ، قالوا : أفلا نقتله؟ قال : لا ، إنّا قد آمنّاه وأجرناه ، وقد أجاره أخيكم إبراهيم بن الأشتر ، فجلس مع الناس.
قال : ثم إن إبراهيم قام فانصرف إلى منزله ، فأعطاه ألفا وفرسا ومطرفا ، فرجع بها ، وقال : لا جاورت (٤) هؤلاء أبدا ، وأقبلت هوازن وغضبت واجتمعت في المسجد غضبا لابن همّام ، فبعث إليهم المختار ، فسألهم أن يصفحوا عمّا اجتمعوا له ، ففعلوا ؛ فقال ابن همّام لابن الأشتر (٥) :
أطفأ عني نار كلبين ألّبا |
|
عليّ الكلاب ، ذو الفعال ابن مالك |
فتى حين يلقى الخيل يفرق بينهما |
|
بطعن دراك أو بضرب مواشك (٦) |
وقد غضبت لي من هوازن عصبة |
|
طوال الذرى فيها عراض المبارك |
إذا ابن شميط أو يزيد تعرضا |
|
لها وقعا في مستحار المهالك |
__________________
(١) أكدم الجندل : الكدم العض بأدنى الفم كما يكدم الحمار. والجندل : الحجارة.
(٢) العبارة في الطبري : فرفع يزيد بن أنس السوط وقال لابن همام.
(٣) الطبري : مكافأة.
(٤) في الطبري : وقال : لا والله ، لا جاورت.
(٥) في الطبري : لابن الأشتر يمدحه ، والأبيات التالية في تاريخ الطبري ٦ / ٣٧.
(٦) بطعن دراك أي متتابع ، وبضرب مواشك أي ضربا سريعا.