باب
في ذكر العالية ، ورياضها الفائق نشرها على العبير والغالبة ، وفيه ذكر جفاف وقربان ومحاسنهما السائرة بهما الركبان ، ان الحقائق في الحدائق قد بدت ، فاجنوا بها الثمرات من أشجارها. قال في الوفاء العالية من المدينة ، ما كان في جهة قبلتها من قباء وغيرها على ميل فأكثر ، وأقصاها عمارة على ثلاثة أميال وأربعة إلى ثمانية أو ستة على الخلاف في ذلك انتهى. ووجه التسمية جلي ، وذلك لأن السيول تنخر (١) من تلك النواحي العالية إلى سوافل المدينة ، فعلى ذلك يقال نزلنا من العوالي إلى المدينة ، وطلعنا من المدينة (٢) إلى العوالي ، ولا عبرة بمن يقول لا يقال نزلنا المدينة لأنها محل الطلوع لأن ذلك من الأدب المولد المستبرد ، فإن الله تعالى يقول (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) وبملاحظة ذلك ساغ لمن كان في السوافل أن يقول نزلت المدينة وعليه عمل أهلها ، وتطلق الحدائق على ما في العالية من البساتين والعوالي على القرية فقط وبالجملة فإن العالية رياض مخضلة (٣) الربا وغياض معتلة الصبا بها النخيل الباسقة والأشجار المتناسقة والأغصان التي تتناوح عليها الأطيار وتتباكى في روضها الأمطار.
مهما اتجهت رأيت روضا (٤) ماؤه |
|
متسلسل يعلو عليه ويخفق |
الريح يكتب والجداول أسطر |
|
خط له نسج الغمام محقق |
والطير يقرأ والنسيم مردد |
|
والغصن يرقص والغدير يصفق |
ومعاطف الأغصان هزتها الصبا |
|
طربا فذا عار (٥) وهذا مورق |
وهزاره يصبو إلى شحرورة |
|
ويجاوب القمري فيه مطوق |
يتلو على الأغصان أخبار الهوى |
|
فيكاد صامت كل شيء ينطق |
والورق في الأوراق يشبه شجوها (٦) |
|
شجوي وأين من الخلى (٧) الموثق |
__________________
(١) في ب [تنحدر].
(٢) سقط من أ.
(٣) في ب [مخصله].
(٤) سقط من ب.
(٥) في ب [هذا عار].
(٦) في ب [لشجوها].
(٧) في ب [الحالي].