باب في ذكر قباء ومحاسن هاتيك الربا
يقولون لي صفها فأنت بوصفها |
|
خبير أجل عندي بأوصافها علم |
قبا بالضم يمد ويقصر ، على ميلين من المدينة المنورة وفي آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني ، قبا قرية لطيفة على ثلاثة أميال من المدينة بها ما يلد العين من حسن منظر وما ترضيه النفس من شهواتها.
زمردة خضر أتدرين قرطها |
|
بلؤلؤة بيضاء من زهراتها |
وأقول في ذلك ، وإن لم أكن هنالك :
ما أطيب الأيام فيها تنقضي |
|
والعين قد قرت بوصل حبيبها |
ما للعيش إلا في حماها ليت لي |
|
مأوى ولو في سفحها ورحيبها |
وبالجملة ، فإنها رياض رق أديمها ، وراق نسيمها ، ونم طيبها وترنم عندليبها وتحركت عيدانها ، وتمايلت أغصانها وتفوقت أزهارها وصوت هزارها تسلسلت (١) جداولها وتبلبلت بلابلها وهذا ما أملته الخمائل يغمرها والنسمات برمزها وأشارت إليه الأزهار بلسان حالها وترحمت عنه الأطيار في حلولها وارتحالها وقال الماء الذي جعل منه كل شيء حي ، ألا يا أهل الحي ، من طالع مثالي فهم ضرب أمثالي ومن أعجم عليه اشكالي فليس من اشكالي والحمد لله البعيد في قربه ، القريب في بعده [المتعالي في جده عن هزل القول وجده الموجد ما كان عدما](٢) المودع كل موجود كلما جاعل العقل ، حكمّا يميز بينه الشيء وضده ، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده ، فلله أول مسجد أسس على التقوى وفي الله قلوب على الطاعة تقوى ، في حضرة ما أبهاها وروضة ما أشهاها الجداول قد سلت بأيديها كل عصب صقيل صيغ فضة بيد الضحى وذهبا بيد الأصيل والأغصان كأنما خلقت منابر لخطباء الحمام وصورت أوراقها محاجر لدموع الغمام والطير ما بين متطلع من وكنه وقائم على غصنه من كل مغوف الطيلسان ، ومطوق ، يزهو طوقه على طوق العقيان :
__________________
(١) في أ [وتسلست].
(٢) سقط من أ.