ومررنا هنا بقافلة جمال محملة عفصا ونحاسا في طريقها إلى بغداد.
وفي التاسعة والدقيقة الخمسين وصلنا إلى سد كبير ، ثم إلى منخفض يشبه الحفرة ثم إلى سد آخر ، والأتراك الموصليون يعتبرون هذه أول (نينوى) أو مطلعها ، وبعد مدة وجيزة وصلنا إلى حفرة أخرى وجدار ، ويظهر أن ذلك مما يدل على أنه كان لنينوى سوران. وفي الأسفل أو عند هذا الجدار الثاني توجد عين ماء أو بئر يعلوها قوس من بناية قديمة ، مؤلف من أحجار كبيرة ويسمى هذا البئر ب (داملاماجه) ويعتقد الأهلون بأن في مياهه شفاء للكثير من الأمراض ليس لخصائصها الطيبة بل لبعض الأمور الخرافية المنسوبة إلى البئر وكلهم يعتقدون بأنها مسكونة من الجان ، ولا يجرؤ أحد على التقرب منها بعد حلول الظلام وقد أخبرني حسين آغا أنه مر في ظلام ليلة من الليالي بالبئر فسمع دقات طبول وضجيجا صاخبا من داخلها فحث جواده هربا ذلك لأن الرجل الذي يجرؤ ولو بغير قصد على الوقوف لمشاهدة الجان فإنه إما أن يموت لساعته وإما أن يفقد صوابه. ولقد ذقت الماء فوجدته عذبا ، وكان صافيا ونقيّا.
مكثت عند البئر عشر دقائق ، واستأنفت المسير مارا بمنطقة نينوى ، بمحاذاة قرية (نبي يونس) وهي عن يسارنا. لقد أمست أسوار نينوى الشرقية ركاما حصوية ، وكأنها طبيعية. ووصلنا إلى ضفة دجلة في الدقيقة الخامسة والعشرين بعد العاشرة. فعبرناه بمعبر إلى مسكننا الذي اتخذناه طيلة مكوثنا في الموصل ، وهو جنينة نعمان باشا الواقعة إلى جنوب المدينة ، والتي هيأها لنا صديقي اللطيف الباشا ، وذلك لأن الإقامة فيها قد تكون أفضل من الإقامة داخل المدينة.
وتقدر المرحلة من كرمليس إلى الموصل بأربع ساعات. أما نحن فقد سلخناها بأربع ساعات وربع الساعة. وقد كانت مسيرتنا جيدة إن لم تكن ممتازة.
درجة الحرارة ـ في السادسة صباحا ٥٨ وفي الثانية بعد الظهر ٧٨.