ثارت بوجهنا زوبعة مصحوبة بالرعد والمطر. فما إن هدأت حتى هبت علينا الرياح الجنوبية الشرقية التي ما زالت ترهقنا حتى هذه اللحظة. على أنني بتمام الصحة باستثناء عيني اللتين التهبتا بفعل الرياح والغبار.
قابلنا هنا (سعدون آغا) حاكم البلدة الذي كان من قبل يقطن دارنا القديمة ، فلم يسمح لي بالإقامة في الخان كما كنت أرغب وإنما أفرغ لنا أحد البيوت وأعده لإقامتنا. وقد وجدت هنا سليم بك أيضا ، بعد أن عزل من حاكمية خانقين. وحضر الاثنان معا لزيارتي بعد أن تأكدا من ارتياحي إلى مقامي ، ثم أرسل لي سليم آغا طعاما شهيّا أصبح من نصيب جماعتي ، لأنني كنت قد فرغت توّا من تناول وجبة من الدراج «والكاري» ـ البهار ، عند وصول ذلك الطعام. وكنت قد رجوت سعدون آغا رجاء خاصّا أن لا يكلف نفسه بإرسال أي طعام ، الأمر الذي لم يستحسنه أفراد جماعتي. وأرجو أن توفدي من يشكر زوجته على مزيد عناية زوجها بأمرنا ، مع أنني في الغالب سأقدم له هذا الكتاب ليرسل إليك بوساطته. وقد قيل لي إنني بعد مبارحتي المكان ، سوف لا تتاح لي الفرص المؤاتية للاتصال بغداد حتى وصولي إليها. لقد كان بالإمكان أن تعد سفرتنا مريحة لو لا هذه المطايا الرديئة. ففي آسيا الصغرى كلها لا يوجد شيء أردأ من البغال. الحر آخذ بالازدياد ، ومن الخير لنا أن نسرع بمغادرة بغداد للشروع في رحلتنا الكبرى إلى كردستان.
شهربان ، ٢٠ آذار :
لقد قمت بعدة اكتشافات مهمة ، إن مغامراتي اليوم فاقت ما كنت آمله ، وما شاهدته هنا من الناحيتين الجغرافية والأثرية استحق عناء السفر من بغداد ، هذا وليس بإمكاني أن أحدثك الآن عما وجدته إلا قليلا. فلقد كان عمل اليوم شاقا ، زادت في مشقته ريح جنوبية حارة كانت تهب رهاء. لكنني ، ولله الحمد ، متعب فقط وليس بي أثر للصداع.