٥٠٠ ، ٥ و ٠٠٠ ، ٥ قبل الميلاد. ومثلها المغارة الواقعة بالقرب من الجسر الروماني.
يعجب المرء اليوم كيف أنّ خليجا يتمتّع بالمواصفات الطبيعيّة التي يتمتّع بها خليج جونيه ، الوحيد الواضح المعالم على الشاطىء الممتدّ بين غزّة إلى الجنوب ، والإسكندرونة عند حدود تركيا إلى الشمال ، لم يشهد نشاطا مرفئيّا مميّزا من قبل الفينيقيّين ، رغم أنّ شعوبا قديمة سكنت هذا المحيط من شاطئ شرقي البحر الأبيض المتوسّط منذ ستّة آلاف سنة ، بدءا بإنسان العرق المتوسّطي ، ومرورا بالفينيقيّين ومن عاصرهم وأعقبهم من شعوب. ولا بدّ للباحث من أن يتساءل عن سبب بقاء جونيه غائبة عن نادي المدن اللبنانيّة البحريّة الأثريّة من طرابلس حتّى صور مرورا بالبترون وجبيل وبيروت وصيدا. إنّ التفسير الوحيد لهذا اللغز ، هو في جغرافيّة المكان. ذلك أنّ السور الطبيعيّ الذي يحيط بخور جونيه من جهات البرّ من ناحية ، وقلّة موارد الجبل الذي يشكّل الإمتداد البرّي لها من جهة ثانية ، حرما جونيه من النشاط الذي عرفته جبيل المنفتحة طبيعتها الخلفيّة على جبال كانت مكسوّة بأشجار الأرز ، ومثلها صيدا وصور ، كذلك كان المحيط الرحب لبيروت نحو الداخل والجبل دون عوائق عاملا في ازدهار المدينة. وحدها جونيه ، من بين جميع تلك المدن ، كانت عاصية من جهات البرّ ، وهذا ما سوف يجعلها تعرف في ما بعد ، مع منطقتها الداخليّة ، ب" العاصية". وإذا كان لهذه المناعة الطبيعيّة حسناتها في بعض الظروف ، فإنّها كانت ، من جهة أخرى ، سببا في عدم اعتماد الفينيقيّين لمرفئها الطبيعي مرفأ حيويّا لأنشطتهم الملاحيّة والتجاريّة ، وقد اقتصر استعماله على جعله مربضا للسفن الجبيليّة في مأمن من الرياح والأعاصير التي يتعرّض لها مرفأ جبيل ، ومعملا لبناء السفن وإصلاحها.