غير أنّ جونيه لم تكن مهملة من نواح أخرى ، ولكنّ إزالة أكثر معالمها الأثريّة عبر السنين من خلال أعمال متواصلة لم يكن القصد منها أكثر من استعمال الحجارة والمواقع من أجل بناء الجلول والبيوت وما شابه ، قد طمست الكثير من ثروتها الحضاريّة القديمة. رغم هذا ، يبقى بمقدور الباحث أن يتصوّر الماضي الحقيقيّ لهذه المدينة التي لم يغب التواصل الحضاريّ عن أرضها طوال الأزمنة التي يمكن للعلم أن يطال أغوارها.
مع فجر التاريخ المدوّن ، يطلّ علينا اسم مدينة قديمة مندثرة المعالم كانت تقوم في هذه المنطقة ، تلك المدينة كان اسمهاPALAEBYBLOS ، باليبيبلوس ، أي جبيل القديمة. والأمر الذي يبدو جليّا للمنطق والذي ما فتئ الباحثون يتردّدون في حسمه ، هو أنّ جونيه هي المكان الذي كانت تقوم عليه باليبيبلوس ، فقد حدّد العالم الطبيعي بلينوس الأكبر (٢٣ ـ ٧٩ م.) موقعها بين نهري ليكوس ، (أي نهر الذئب ، وهي التسمية التي أطلقها الرومان على نهر الكلب) وأدونيس ، وهو المعروف اليوم بنهر إبراهيم ؛ وذكر الجغرافيّ اليونانيّ سترابون (٥٨ ق. م. ـ ٢٥ م.) أنّ باليبيبلوس تقع جنوب جبل كليماكس الواقع بدوره بين نهري ليكوس وأدونيس. وقد أصبح معروفا أنّ جبل كليماكس إنّما هو المرتفع الصخريّ الذي يفصل بين طبرجا وجونيه ، وهذا الإسم : كليماكس ، يونانيّ ، وهو يعني : الدرج والمرتقى. ذلك أنّ الداخل إلى جونيه من جهة الشمال ، أو الخارج منها باتّجاه الشمال ، كان عليه أن يرتقي مرتفعا متدرّجا ليعبر ، فسمّى الجغرافيّون اليونان هذا المعبر بلغتهم : الدرج.
وفي دراسة الأسماء التي تحملها مناطق مدينة جونيه ، نجد أنّ أكثرها مركّب من جذور ساميّة تتمّ عن القدم ، يعود بعضها الى العصور الفينيقيّة.