حتّى أوائل القرن الرابع عشر ، عند ما شنّ المماليك حروبهم الإباديّة ضدّ الطوائف التي لا تدين بدينهم. ويطالعنا الرحّالة الإدريسي الذي زار المنطقة في القرن الثاني عشر بأنّ جونيه حصن على البحر أهله يعاقبة. ولا نعلم في أيّ تاريخ بالضبط أنشأ اليعاقبة ما وصفه بعض المؤرّخين ب" المدرسة الكبيرة" قرب قلعة صربا. غير أنّ هذا لا يعني أنّ اليعاقبة كانوا مستقرّين في جونيه حتّى ولو صدق الرحّالة العربي في استنتاجه ، ذلك أنّ معاصرا آخر صاحبه أكثر إلماما بالطوائف المسيحيّة ، هو مطران صور اللاتيني الصليبي غليلموس ، وهو مولود سنة ١١٣٠ ، ذكر أنّ البطاركة الموارنة أقاموا مرارا في جونيه في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
لم يستبعد بعض مؤرّخي الحقبة الصليبيّة أن يكون اليعاقبة والموارنة قد تعايشوا في جونيه جنبا إلى جنب ، أو أن يكونوا قد تعاقبوا على السكن فيها.
ومن الطبيعي أن يستنتج المؤرّخ المتعمّق بأحداث تلك الحقبة أنّ الموارنة كانوا يستقرّون في جونيه عند ما تسيطر على مرفئها القوى الصليبيّة ، وكان السريان اليعاقبة يستقرّون متى سيطر المماليك. وكان مرفأ جونيه موضع صراع مستمرّ بين المسلمين والإفرنج منذ العهد البيزنطي ، وعند ما احتلّت القوى الصليبيّة الموانئ اللبنانيّة بأجمعها قبل نهاية سنة ١١٢٤ ، وهي السنة التي سقطت فيها جونيه بيد الصليبيّين ، لاقى هؤلاء دعما عسكريّا برّيّا مهمّا من قبل المقدّمين الموارنة الذين كانوا حلفاء تلك القوى الوافدة تحت مظلّة بابويّة كان الموارنة ولا يزالون يستظلّونها.
نعلم أنّ الصليبيّين الذين اتّخذوا من ميناء جونيه مركزا بحريّا لصادراتهم ووارداتهم ومحطّة لمراكبهم ، قد بنوا في تلك الحقبة عند مداخل الموانئ اللبنانيّة البحريّة أبراجا في إطار عمليّة تحصين لتأمين سلامة