ويرد عليه : أنّ الحجب لم يسند إلى المولى سبحانه بما هو شارع وحاكم لينصرف إلى ذلك النحو من الحجب ، بل اسند إليه بما هو ربّ العالَمين ، وبيده الأمر من قبلُ ومن بعدُ ، وبهذا يشمل كلّ حجبٍ يقع في العالَم ، ولا موجب لتقييده بالحجب الواقع منه بما هو حاكم.
والآخر : أنّ موضوع القضيّة ماحجب عن العباد ، فتختصّ بما كان غير معلومٍ لهم جميعاً ، فلا يشمل التكاليف التي يشكّ فيها بعض العباد دون بعض.
وقد يجاب على ذلك باستظهار الانحلاليّة من الحديث ، بمعنى أنّ كلّ ما حجب عن عبدٍ فهو موضوع عنه ، فالعباد لُوحظوا بنحو العموم الاستغراقيّ ، لا العموم المجموعيّ.
ومنها : رواية عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام أنّه قال : «كلّ شيءٍ فيه حلال وحرام فهو لك حلال [أبداً] (١) حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (٢).
وتقريب الاستدلال : أنّها تجعل الحلّيّة مع افتراض وجود حرامٍ وحلالٍ واقعيّ ، وتضع لهذه الحلّيّة غاية ، وهي تمييز الحرام ، فهذه الحلّيّة ظاهريّة إذن ، وهي تعبير آخر عن الترخيص في ترك التحفّظ والاحتياط.
ولكن ذهب جماعة من المحقّقين (٣) إلى أنّ هذه الرواية مختصّة بالشبهات الموضوعيّة ، وذلك لقرينتين :
الاولى : أنّ ظاهر قوله : «كلّ شيءٍ فيه حلال وحرام» افتراض طبيعةٍ منقسمةٍ فعلاً إلى أفرادٍ محلّلةٍ وأفرادٍ محرّمة ، وأنّ هذا الانقسام هو السبب في الشكّ في حرمة هذا الفرد أو ذاك ، وهذا إنّما يصدق في الشبهة الموضوعيّة ، لا في مثل الشكّ في
__________________
(١) أثبتناها وفقاً لما في المصدر
(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأول
(٣) انظر فوائد الاصول ٣ : ٣٦٤ ، ومصباح الاصول ٢ : ٢٧٣