حرمة شرب التتن ـ مثلاً ـ وأمثاله من الشبهات الحكميّة ؛ فإنّ الشكّ فيها لا ينشأ من تنوّع أفراد الطبيعة ، بل من عدم وصول النصّ الشرعيّ على التحريم.
الثانية : أنّ مفاد الحديث إذا حمل على الشبهة الحكميّة كانت كلمة «بعينه» تأكيداً صرفاً ؛ لأنّ العلم بالحرام فيها مساوق للعلم بالحرام بعينه عادة. وأمّا إذا حمل على الشبهة الموضوعيّة كان للكلمة المذكورة فائدة ملحوظة لأجل حصر الغاية للحلّيّة بالعلم التفصيليّ دون العلم الإجمالي الذي يغلب تواجده في الشبهات الموضوعيّة ، إذ مَن الذي لا يعلم عادةً بوجود جبنٍ حرام ، وبوجود لحمٍ حرام ، وبوجود شرابٍ نجس؟ وإنّما الشكّ في أنّ هذا الجبن أو اللحم أو الشراب المعيَّن هل هو من الحرام النجس ، أوْ لا؟ وعليه فيكون الحمل على الشبهة الموضوعيّة متعيّناً عرفاً ؛ لأنّ التأكيد الصرف خلاف الظاهر.
هذه هي أهمّ النصوص التي استدلّ بها على البراءة من الكتاب والسنّة ، وقد لاحظنا أنّ بعضها تامّ الدلالة.
وقد يضاف إلى ذلك التمسّك بعموم دليل الاستصحاب ، وذلك بأحد لحاظين :
الأوّل : أن نلتفت إلى بداية الشريعة ، فنقول : إنّ هذا التكليف المشكوك لم يكن قد جُعل في تلك الفترة يقيناً ؛ لأنّ تشريع الأحكام كان تدريجيّاً فيستصحب عدم جعل ذلك التكليف.
الثاني : أن يلتفت المكلّف إلى حالة ما قبل تكليفه ، كحالة صغره مثلاً ، فيقول : إنّ هذا التكليف لم يكن ثابتاً عليّ في تلك الفترة يقيناً ، ويشكّ في ثبوته بعد البلوغ فيستصحب عدمه.
وقد اعترض المحقّق النائينيّ قدسسره (١) على إجراء الاستصحاب بأحد هذين
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ١٨٦ ـ ١٨٨