اللحاظين : بأنّ استصحاب عدم حدوث ما يشكّ في حدوثه إنّما يجري إذا كان الأثر المطلوب إثباته بالاستصحاب منوطاً بعدم الحدوث ، فنتوصّل إليه تعبّداً بالاستصحاب. ومثاله : أن نشكّ في حدوث النجاسة في الماء ، والأثر المطلوب تصحيح الوضوء به ، وهو منوط بعدم حدوث النجاسة ، فنجري استصحاب عدم حدوث النجاسة ونثبت بالتعبّد الاستصحابيّ أنّ الوضوء به صحيح.
وأمّا إذا كان الأثر المطلوب إثباته بالاستصحاب يكفي في تحقّقه واقعاً مجرّد عدم العلم بحدوث ذلك الشيء فيكون ذلك الأثر محقّقاً وجداناً في حالة الشكّ في الحدوث ، ولا نحتاج حينئذٍ إلى إجراء استصحاب عدم الحدوث. ومثال ذلك : محلّ الكلام ؛ لأنّ الأثر المطلوب هنا هو التأمين ونفي استحقاق العقاب ، وهذا الأثر مترتّب على مجرّد عدم البيان وعدم العلم بحدوث التكليف ـ وفقاً لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ فهو حاصل وجداناً ، وأيّ معنىً حينئذٍ لمحاولة تحصيله تعبّداً بالاستصحاب؟ وهل هو إلاّنحو من تحصيل الحاصل؟
وهذا الاعتراض غير صحيح ؛ لعدّة اعتبارات :
منها : أنّنا ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فالأثر المطلوب لا يكفي فيه إذن مجرّد عدم العلم ، كما هو واضح من مسلك حقّ الطاعة.
ومنها : أنّه حتّى إذا آمنّا بقاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ فلا شكّ في أنّ قبح العقاب على مخالفة تكليفٍ مشكوكٍ لم يصل إذن الشارع فيه ثابت بدرجةٍ أقلّ من قبحه على مخالفة تكليفٍ مشكوكٍ قد بُيّن إذن الشارع في مخالفته ، والمطلوب بالاستصحاب تحقيق هذه الدرجة الأعلى من قبح العقاب والمعذّريّة ، وما هو ثابت بمجرّد الشكّ الدرجة الأدنى ، فليس هناك تحصيل للحاصل.