(١٩٨ ـ ٢١٨ ه) ببناء مقياس بجزيرة الروضة فى سنة ١٩٩ ه مكان المقياس الذى تهدم ، ولكنه لم يتم ذلك. وفى سنة ٢٤٧ ه بنى الخليفة المتوكل (٢٣٢ ـ ٢٤٧ ه) مقياسا فى الموضع نفسه ، وقد ظل مقياس الروضة مستخدما حتى عصر أسرة محمد على باشا ، وما زال موجودا كأثر حتى عصرنا الحالى (١).
ومن الملاحظ أيضا أن العلماء المسلمين الذين كتبوا عن نهر النيل فى العصور الوسطى لاحظوا أن ماء النيل يخضر مع بداية الزيادة. وقد ذكر المقريزى أن عامة أهل مصر كانوا يقولون عن هذا الاخضرار «قد توخّم النيل» (٢) ، ويرون أن الشرب منه حينئذ مضر.
أما عن سبب هذا الاخضرار فى ماء النيل فيرجعونه إلى لجوء الحيوانات ـ خاصة الفيلة ـ إلى البحيرات التى فى أعالى النيل ، فترقد فيها بأعدادها الهائلة لمقاومة شدة الحر هناك ، ولذلك يتغير لون ماء تلك البحيرات ، وعند ما تهطل الأمطار فى الجنوب وتتكاثر السيول فى تلك البحيرات ، تدفع هذه المياه الخضراء أمامها فتصل إلى مصر بهذا اللون مع الزيادة. ثم يعقب ذلك احمرار المياه وتكدرها لاختلاطها بالطين والصخور المتفتتة التى تجرفها الأمطار من منطقة الجبال بالحبشة (٣).
ويضيف ابن العماد فى كتابه «أخبار نيل مصر» نقلا عن مروج الذهب تفسيرا آخر لاخضرار ماء النيل عند بدء الزيادة ، فيذكر أن بعض البحيرات فى أعالى النيل تنقطع عن النيل فى فترة نقص المياه ، فتمكث هذه المياه فى البحيرات فترة طويلة فيخضر لونها ، فلما تأتى الزيادة فى المياه نتيجة للأمطار ، تصب هذه البحيرات مياهها فى النيل فيخضر ماؤه مع الزيادة (٤).
__________________
(١) لمزيد من التفاصيل عن مقياس الروضة راجع : المقريزى : الخطط ، ج ١ ، ص ٥٨ ؛ المنوفى : الفيض المديد ، ص ٤١ ـ ٤٢ ؛ الخيارى المدنى : تحفة الأدباء وسلوة الغرباء ، ج ٣ ، ص ١١٢ ، تحقيق رجاء محمود السامرائى ، بغداد ١٩٨٠ م ؛ الخطط التوفيقية ، ج ١٨ ، ص ٤٣ وما بعدها ، ط. دار الكتب ، القاهرة ٢٠٠٥ م.
(٢) المقريزى : الخطط ، ج ١ ، ص ٥٦.
(٣) المقريزى : الخطط ، ج ١ ، ص ٥٦ ، ٦٤ ؛ النويرى : نهاية الأرب ، ج ١ ، ص ٢٦٤ ، ط. دار الكتب المصرية ، القاهرة ١٩٢٩ م.
(٤) انظر : مروج الذهب ، ج ١ ، ص ٣٥٢ ؛ ابن العماد : أخبار نيل مصر ، لوحة ٣٧ ـ ٣٨ ص ٦٥.