فصل
وأما الماء الذى نبع من الأرض : فهو شبيه ماء الآبار.
[٦٢] وأما الأنهار ، / وماء العيون ، وماء البحر ، والماء الذى ينعقد ملحا ، والماء الذى ينعقد نطرونا ، والماء المتقاطر من بخار الماء ، وماء الآبار : منها ما هو حديدى ، ومنها ما هو نحاسى ، تكلم عليه الأطباء.
فحصّل أن المياه النازلة من السماء ، والنابعة من الأرض عشرة ، وكلها تجوز بها الطهارة بلا خلاف. إلا الماء الذى سينعقد ملحا أو نطرونا ، فإن فيه [خلاف](١) ، والمذهب جواز الطهارة به. وإلا بالماء المتقاطر من بخار الماء ، فإن فيه وجهان ، الأصح جواز الطهارة به. وإذا انضم إلى هذا الماء النابع من أصابعه ، صلى الله عليه وسلم ، صارت أحد عشر.
واختلفوا فى المياه التى فى الأرض ، هل أصلها من السماء ، أم خلقها الله تعالى فى الأرض ، على قولين :
أحدهما : أن الجميع من السماء. لقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ)(٢).
[٦٣] والثانى : أن الله تعالى خلقه فى الأرض كما خلق ماء السماء فيها. لقوله / تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها)(٣) وبعد ههنا بمعنى : قبل.
والتفسير : والأرض قبل ذلك دحاها. وقيل : بعد هنا بمعنى : مع ، أى مع ذلك دحاها ، إذا كانت الأرض مخلوقة قبل السماء. وقد أخبر الله تعالى أنه أخرج منها ماءها ومرعاها ، تعين أن يكون الماء مخلوقا فيها.
ومما يدل على أن الأرض مخلوقة قبل السماء قوله تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ
__________________
(١) «خلافا» فى نسخة ز. والمثبت بين الحاصرتين من نسخة ح.
(٢) سورة الزمر ، آية (٢١).
(٣) سورة النازعات ، الآيات (٣٠ ـ ٣١).