فصل
فى المكان الذى يذهب فيه ماء النيل
قالت الحكماء (١) : إن النيل إذا صب فى بحر الملح انتهى فيه إلى مواضع ، ثم يرتفع بخارا ويجتمع فى الجو ، فتحمله الغمام والريح إلى الأماكن التى يريد / الله تعالى بالمطر فيها من سائر البلاد. ولهذا تجد الأماكن القريبة من البحر أكثر مطرا من غيرها ، ويشاهد الغمام قريبا من بحر الملح ، عند دمياط وغيرها مما [جاور](٢) البحر.
قالوا : وإذا وقع المطر فى البلاد اتصل بالبحر من عيون وغيرها ، حتى ينتهى إلى البحر أيضا ، ثم يصير مطرا كما سبق. وهذا قد أشار إليه الزمخشرى فى قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ)(٣) والمراد بالسماء : الغمام ، والرجع : المطر.
قال : سمى رجعا على عادة العرب فى معتقدهم ، أن الغمام يحمل ماء المطر من البحر ، ثم يرجع إليها ، فهو رجع إلى الأرض بعد ما أخذ منها مرة بعد مرة.
وذكر الواحدى (٤) : أنها إنما سميت رجعا لأنها ترجع إلى الأرض مرة بعد أخرى. وما ذكره الحكماء وجّهوه بأن [كل ما](٥) على الأرض من خشب ، وحجر ، ونحاس ، [٤٤] ورصاص ، وحيوان ، / يصير ترابا ثم يعود خلقا جديدا ، وهكذا إلى يوم [القيامة](٦). قالوا : والفلك دوّار.
وذكر المفسرون : فى قوله سبحانه وتعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ)(٧) : أن الله تعالى يرسل الرياح فتلقح (٨) السحاب بالماء ، كما تلقح البقرة باللبن
__________________
(١) ورد هذا النص فى الفضائل الباهرة ، ص ١٦٥.
(٢) «جاوز» فى نسختى المخطوطة. والمثبت بين الحاصرتين من الفضائل الباهرة ، ص ١٦٥.
(٣) سورة الطارق ، آية (١١).
(٤) انظر : الواحدى : الوسيط فى تفسير القرآن المجيد ، ج ٤ ، ص ٤٦٦ ، ٤٦٧ ؛ راجع أيضا : الزجاج : معانى القرآن وإعرابه ، ج ٥ ، ص ٣٠٢ ، تحقيق عبد الجليل شلبى ، ط. عالم الكتب ، بيروت ١٩٨٨ م.
(٥) «كلما» فى نسختى المخطوطة.
(٦) «القيمة» فى نسختى المخطوطة.
(٧) سورة الحجر ، آية (٢٢). وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٥٤٩.
(٨) «فتلقى» فى نسخة ح.