وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز استعماله فى الطهارة مطلقا ، ولدينا عموم الأدلة. وأن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ منه. ولأنه يؤدى إلى جواز التيمم مع وجود الماء ، ولأن حرمة ماء زمزم وإن كانت لأجل أنه ينبع من الحرم ، فينبغى أنه لا يجوز استعمال مياه آبار الحرم. وإن كانت حرمته كونه مطعوما وشفاء ، فالماء الذى نبع من أصابع النبى صلى الله عليه وسلم أفضل من ماء زمزم ، وفيه من الشفاء ما ليس فى ماء زمزم. ومع ذلك فقد توضأت به الصحابة رضى الله [تعالى](١) عنهم أجمعين ، ولا حجة فى قول العباس رضى الله عنه : لا أحله ، لأنه محمول على حالة احتياج الناس إلى الشرب [٦٨] بقوله : لا أحله / لمغتسل ، أى فى حالة احتياج الناس إلى الشرب ، لأن الغالب التزاحم (٢) عليه للشرب.
واختلفوا فى الماء الذى يوجد وقت السحر على الزرع ؛ فقيل لا تجوز به الطهارة ، لأنه ليس من جنس المياه ، بل هو نفس دابة فى البحر ، تتنفس وقت السحر ، فهو ليس من جنس المياه ، بل هو ملحق بالعرق. حكاه صاحب كتاب «الملتقطات من الحنفية».
ويشهد لهذا القول أن المجربين ذكروا أن هذا الماء إذا جمع فى وقت السحر ، وملئت منه بيضة قد فرغ ما فيها ، وصممت بشمعة أو غيرها ، ووضعت فى الحمام ، فإنها إذا أحست بالحرارة صعدت إلى السماء بنفسها. وهذا السمو والارتفاع ليس من طبع المياه. وإنما طبعها الانخفاض.
ويشهد له أيضا أن هذا ليس بماء ثلج ، ولا برد ، ولا مطر ، والله أعلم. قال صاحب «الملتقطات» : ومنهم من جوّز الطهارة به ، لأنه ماء ، ولأنه لم يتحقق مجيئه من نفس تلك الدابة.
وأما بحر الملح ، فيجوز منه الطهارة / بلا كراهة. لقول النبى صلى الله عليه وسلم : «هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته (٣)» (٤). هذا مذهبنا.
__________________
(١) ما بين الحاصرتين إضافة من نسخة ح.
(٢) «التراحم» فى نسخة ح.
(٣) «ميتته» فى نسخة ح.
(٤) انظر : سنن الدارمى ، ج ١ ، ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ، باب الوضوء من ماء البحر ، ط. الاعتدال ، دمشق ١٣٤٩ ه.