ثلاث سفائن ، فسفينة فيها مطبخه ، وسفينة فيها عياله ، وسفينة فيها أضيافه ، ولا شكّ في أنّه كان في مصر وفي الفسطاط في زمانه جماعات من الفقراء والمساكين والعمّال صابرين على شدة الجوع لا مسكن لهم يقيهم من الحر والبرد ، وكان حال الليث كما سمعت!.
وأعجب من سيرته المعاشية سيرته الفتيائية الخاضعة لما يريده الملوك وأهل السلطة ، فقد ذكروا أنّه قد جرى بين هارون وزوجته زبيدة كلام فقال هارون لها أنت طالق إن لم أدخل الجنّة ، فجمع الفقهاء لذلك فلم يكن عند أحد منهم احتيال يحلّ لهما ما حرم بزعمهما عليهما ، والليث كان في آخر المجلس ، فسأله فقال : إذا أخلى الخليفة مجلسه كلّمته ، وبعد ذلك طلب الليث من هارون أن يحضر مصحفا ، فقال الليث : تصفّحه حتى تصل إلى سورة الرحمن فاقرأها ففعل ، فلما انتهى إلى قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (١) قال الليث أمسك ، قل : والله إنّي أخاف مقام ربّي ، فقال ذلك ، فقال : فهما جنّتان وليست بجنّة واحدة ، وكانت زبيدة تسمع هي وجواريها خلف ستار فارتفع التصفيق والفرح من وراء الستر ، فقال هارون : أحسنت والله فأمر له بجوائز وخلع وآلاف الدنانير ، وأمرت له زبيدة بمثلها وأقطعه هارون أرض الجيزة كلّها وهي من أخصب أرض مصر.
وهذا فقه لا نفهم له معنى إلّا التجارة بأحكام الله وتحليل حرامه وجلب رضا هارون وزوجته إمبراطور عصره وإمبراطورة زمانها ، لا أمير المؤمنين.
ولا ندري هل فهمت زبيدة فساد هذه الفتوى أم لا ، وكذلك هارون لم يفهم ، أو فهم ولكن أراد التخلّص من مؤاخذة الناس به أو عدم تمكين
__________________
(١) ـ الرحمن : ٤٦.