ومن أجل ذلك فقد كانت حرية إقامة العزاء الحسيني تتبع مذهب وسياسة هذه السلطات الحاكمة عملياً في البلاد ، كالبويهيين ، والسلوقين الأتراك وغيرهم.
وفي عهد الناصر لدين الله الذي ولي الخلافة سنة «٥٧٥ هـ» ، والذي أراد أن يعزز شؤون الخلافة ويسترجع السلطة من يد السلاجقة ويعيد هيبتها ، فقد تنفس الشيعة الصعداء بعض الشيء ، وأطلقت لهم الحرية في إقامة المآتم والمناحات على الحسين عليهالسلام. وكان هذا الخليفة يعطف على العلويين ، ويمنع إيذاءهم ومطاردتهم قدر الامان. كما قد أجرى إصلاحات كثيرة على مشهد الامامين عليهماالسلام في الكاظمية ، وسمح بإقامة العزاء والمآتم ، ولا سيما في عشرة عاشوراء في الكرخ ببغداد ، وخاصة في المشهد الكاظمي.
وكذا من جاء بعده من الخلفاء ، كالظاهر بأمر الله ، والمستنصر بالله ، الذي آل الأمر اليه سنة «٦٢٣ هـ» وكان مثل جده الناصر مسايراً للشيعة ، لا يمانع من إقامة شعائر المناحة على الامام الشهيد عليهالسلام.
أما المستعصم الذي انقرضت على عهده الخلافة العباسية سنة «٦٥٦ هـ» فكان ضعيف الرأي والسلطان ، وكان يساير الشيعة ويظهر ميلاً إليهم أحياناً ، ويزور قبور أئمتهم ويعتني بها ، ويأمر بعمرانها وإجراء الاصلاحات فيها ، ويسمح بإقامة المناحات والمآتم على الحسين عليهالسلام ، كما كان يقع أحياناً تحتا ضغط المتعصبين من علماء السنة وحاشيته وخاصة ابنه أبو العباس أحمد الحاقد على الشيعة فيتقدم بمنع إقامة المناحة على الامام الشهيد عليهالسلام ، وقراءة مقتله يوم عاشوراء بججة الحيلولة دون نشوب الفتنة بين الطرفين.
وهكذا كان عزاء الحسين ومأتمه رغم جميع المطاردات والمخالفات قائماً كل عام في موسمه في شهر محرم الحرام على عهد الخلفاء العباسيين. وإنما تختلف ظروفه من حيث التقلص والاتساع ، والقوة والضعف ، كما مر أعلاه ، ولكنه في جميع