يكفي الجميع في العطاء ، كل إنسان بحسبه حفظاً وعلماً وجزاءً ، ومنه قوله تعالى : ( عطاءً حساباً ) (١) أي كافياً (٢).
ويحتمل أن يكون الحسيب بمعنى الحفظ. وسواء أكان الحسيب في الآية بمعنى إحصاء الشيء وحسابه ، أو الكافي ، أو الحفظ كانت المناسبة للتحية موجودة ، ولا يخفى تطبيق أيٍ من المعاني الثلاثة على موضع التحية وموردها.
إنك قد عرفت أن مورد الخطاب للمسلمين ، ولا يخصص المورد حكم الوارد ، إذا كان للحكم عموم شرعاً وعقلاً ، والسر في كون خطابات القرآن الكريم عامة لعامة الناس هو عدم القرابة وانتفاؤها بين الله تعالى وبين أحد من خلقه ، فالكل عبيد له ، تجب عليهم ـ عقلاً ـ طاعة سيدهم ، فلو رأيت في الخطاب أختصاصاً بالمسلمين ، فإنه كما سبق لأجل انتفاعهم دون الناس الآخرين.
الأمر الثاني : في صيغ التحية :
والكلام حول صيغها والإجابة عليها وبيان مناسبتها يستدعي ـ نوعاً ما ـ بسطاً فيه. فنقول : لا ريب أن قوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيءٍ حسيباً ) أمر بالإجابة على التحية بالأحسن ، أو المماثل عند سماعها ، نظير الأمر بالسعي إلى ذكر الله عند النداء إلى الصلاة من يوم الجمعة (٣).
وقد بين سبحانه قسمين من أقسام الإجابة ، كما ستعرف ذلك قريباً ، ولم يذكر للتحية شيئاً. نعم قد بينتها أحاديث أهل البيت عليهمالسلام. كما لا امتراء في وجوب الإجابة ، لأجل صيغة الأمر الدالة على الوجوب على ما حرر في محله.
__________________
١ ـ النبأ : ٣٦. والآية هكذا : ( جزاءاً من ربك عطاءً حساباً ).
٢ ـ تفسير مجمع البيان ٣ | ٨٥.
٣ ـ قال تعالى : ( يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ). الجمعة : ٩.