وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني ، فأكون معكم في السنام الأعلى؟!! ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج (١) ، هاهاها حتى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون ، وينشجون لما يرون من حال الشيخ ، وأقبل أبو جعفر عليهالسلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها (٢) ، ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر عليهالسلام : يابن رسول الله ناولني يدك ، جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ، ثم حسر عن بطنه ، وصدره فوضع يده على بطنه وصدره ، ثم قام فقال : السلام عليكم ، وأقبل أبو جعفر ينظر في قفاه وهو مدبرٌ ثم أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا. فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتماً قط يشبه ذلك المجلس » (٣).
أقـول :
اشتمل الحديث على سلام التحية وسلام الوداع ، الفصل العاشر الآتي ذكره ، وإنما نقلناه عن آخره لأن محتواه يمثل لنا أروع الولاء لأهل البيت عليهمالسلام.
حول الصيغ المروية المتقدمة وبعض بحوثها كلام لبعض الجمهور فكما يلي :
قال الزمخشري : الأحسن منها أن تقول : وعليكم السلام ورحمة الله ، إذا قال : السلام عليكم ، وأن تزيد وبركاته » وإذا قال : « ورحمة الله ». وروي أن رجلاً قال لرسول الله ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، : السلام عليك ، فقال : « وعليك السلام ورحمة الله » وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله ، فقال : « وعليك السلام ورحمة الله وبركاته » وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال « وعليك » فقال الرجل : نقصتني
__________________
١ ـ النحب والنحيب والانتحاب : البكاء بصوت طويل. والنشج : صوت معه توجع وبكاء ، كما يردد الصبي بكاءه في صدره النهاية ـ نحب ـ ونشج.
٢ ـ حملاق العين ـ بالكسر والضم ـ وكعصفور : باطن أجفانها الذي يسود بالكحلة ، أو ما غطته الاجفان من بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر ، الذي إذا قلب للكحل رأيت حمرته ، أو ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن ، جمع حماليق. هامش الروضة ٧٧.
٣ ـ روضة الكافي ٧٦ ـ ٧٧.