البحث
البحث في تفسير التّحرير والتّنوير
فاعل الخير أنعم على الله تعالى بنعمته مثل قوله (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [التغابن : ١٧] فحذف المشبّه ورمز إليه بما ه من لوازم العرفية. وهو الكفر ، على أنّ في القرينة استعارة مصرّحة مثل (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) [البقرة : ٢٧]. وقد امتنّ الله علينا إذ جعل طاعتنا إيّاه كنعمة عليه تعالى ، وجعل ثوابها شكرا ، وترك ثوابها كفرا فنفاه. وسمّى نفسه الشكور.
وقد عدّي الكفر أن هنا إلى النعمة على أصل تعديته.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦))
استئناف ابتدائي للانتقال إلى ذكر وعيد المشركين بمناسبة ذكر وعد الذين آمنوا من أهل الكتاب.
وإنّما عطف الأولاد هنا لأن الغناء في متعارف النّاس يكون بالمال والولد ، فالمال يدفع به المرء عن نفسه في فداء أو نحوه ، والولد يدافعون عن أبيهم بالنصر ، وقد تقدّم القول في مثله في طالعة هذه السورة.
وكرّر حرف النّفي مع المعطوف في قوله (وَلا أَوْلادُهُمْ) لتأكيد عدم غناء أولادهم عنهم لدفع توهّم ما هو متعارف من أن الأولاد لا يقعدون عن الذبّ عن آبائهم.
ويتعلق (مِنَ اللهِ) بفعل (لَنْ تُغْنِيَ) على معنى (من) الابتدائية أي غناء يصدر من جانب الله بالعفو عن كفرهم.
وانتصب (شيئا) على المفعول المطلق لفعل (لَنْ تُغْنِيَ) أي شيئا من غناء. وتنكير شيئا للتقليل.
وجملة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) عطف على جملة (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ). وجيء بالجملة معطوفة ، على خلاف الغالب في أمثالها أن يكون بدون عطف ، لقصد أن تكون الجملة منصبّا عليها التّأكيد بحرف (إنّ) فيكمل لها من أدلّة تحقيق مضمونها خمسة أدلة هي : التّكيد ب (إِنَ) ، وموقع اسم الإشارة ، والإخبار عنهم بأنّهم أصحاب النّار ، وضمير الفصل ، ووصف خالدون.
(مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ