وقوله : (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) تفسيره مثل تفسير قوله في قصّة نوح عليهالسلام : (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ) [الأعراف : ٦٢] واللّام في (لقد) لام القسم ، وتقدّم نظيره عند قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) [الأعراف : ٥٩].
والاستدراك ب (لكن) ناشئ عن قوله : (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) لأنّه مستعمل في التّبرّؤ من التقصير في معالجة كفرهم ، سواء كان بحيث هم يسمعونه أم كان قاله في نفسه ، فلذلك التّبرّؤ يؤذن بدفع توهّم تقصير في الإبلاغ والنّصيحة لانعدام ظهور فائدة الإبلاغ والنّصيحة ، فاستدرك بقوله : (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) ، أي تكرهون النّاصحين فلا تطيعونهم في نصحهم ، لأنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع ، فأراد بذلك الكناية عن رفضهم النّصيحة.
واستعمال المضارع في قوله : (لا تُحِبُّونَ) إن كان في حال سماعهم قوله فهو للدّلالة على التّجديد والتّكرير ، أي لم يزل هذا دأبكم فيكون ذلك آخر علاج لإقلاعهم إن كانت فيهم بقيّة للإقلاع عمّا هم فيه ، وإن كان بعد انقضاء سماعهم فالمضارع لحكاية الحال الماضية مثلها في قوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) [فاطر : ٩].
[٨٠ ، ٨١] (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١))
عطف (وَلُوطاً) على (نُوحاً) في قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) [الأعراف : ٥٩] فالتّقدير : وأرسلنا لوطا ، وتغيير الأسلوب في ابتداء قصّة لوط وقومه إذ ابتدئت بذكر (لوطا) كما ابتدئت قصّة بذكر نوح لأنه لم يكن لقوم لوط اسم يعرفون به كما لم يكن لقوم نوح اسم يعرفون به. و (إذ) ـ ظرف متعلّق ب (أرسلنا) المقدر يعني أرسلناه وقت قال لقومه وجعل وقت القول ظرفا للإرسال لإفادة مبادرته بدعوة قومه إلى ما أرسله الله به ، والمقارنة التي تقتضيها الظّرفية بين وقت الإرسال ووقت قوله ، مقارنة عرفية بمعنى شدّة القرب بأقصى ما يستطاع من مبادرة التّبليغ.
وقوم لوط كانوا خليطا من الكنعانيين وممّن نزل حولهم. ولذلك لم يوصف بأنّه أخوهم إذ لم يكن من قبائلهم ، وإنّما نزل فيهم واستوطن ديارهم. ولوط عليهالسلام هو ابن أخي إبراهيمعليهالسلام كما تقدّم في سورة الأنعام ، وكان لوط عليهالسلام قد نزل