فتعيّن أنّ الخبر مستعمل في التذكير بما هو معلوم تعريضا بتجهيلهم لأنّهم حذروا من حرّ قليل وأقحموا أنفسهم فيما يصير بهم إلى حرّ أشدّ. فيكون هذا التذكير كناية عن كونهم واقعين في نار جهنّم لأجل قعودهم عن الغزو في الحرّ ، وفيه كناية عرضية عن كونهم صائرين إلى نار جهنّم.
وجملة : (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) تتميم ، للتجهيل والتذكير ، أي يقال لهم ذلك لو كانوا يفقهون الذكرى ، ولكنّهم لا يفقهون ، فلا تجدي فيهم الذكرى والموعظة ، إذا ليس المراد لو كانوا يفقهون أنّ نار جهنم أشدّ حرّا لأنّه لا يخفى عليهم ولو كانوا يفقهون أنّهم صائرون إلى النار ولكنّهم لا يفقهون ذلك.
(فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢))
تفريع كلام على الكلام السابق من ذكر فرحهم ، ومن إفادة قوله : (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) [التوبة : ٨١] من التعريض بأنّهم أهلها وصائرون إليها.
والضحك هنا كناية عن الفرح أو أريد ضحكهم فرحا لاعتقادهم ترويج حيلتهم على النبي صلىاللهعليهوسلم إذ أذن لهم بالتّخلّف.
والبكاء : كناية عن حزنهم في الآخرة فالأمر بالضحك وبالبكاء مستعمل في الإخبار بحصولهما قطعا إذ جعلا من أمر الله أو هو أمر تكوين مثل قوله : (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) [البقرة : ٢٤٣] والمعنى أنّ فرحهم زائل وأنّ بكاءهم دائم.
والضحك : كيفية في الفم تتمدّد منها الشفتان وربّما أسفرتا عن الأسنان وهي كيفية تعرض عند السرور والتعجّب من الحسن.
والبكاء : كيفية في الوجه والعينين تنقبض بها الوجنتان والأسارير والأنف. ويسيل الدمع من العينين ، وذلك يعرض عند الحزن والعجز عن مقاومة الغلب.
وقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) حال من ضميرهم ، أي جزاء لهم ، والمجعول جزاء هو البكاء المعاقب للضحك القليل لأنّه سلب نعمة بنقمة عظيمة.
وما كانوا يكسبون هو أعمال نفاقهم ، واختير الموصول في التعبير عنه لأنّه أشمل مع الإيجاز.
وفي ذكر فعل الكون ، وصيغة المضارع في (يَكْسِبُونَ) ما تقدّم في قوله : (وَلكِنْ