قد عرفت آنفا نكتة تكرير القول.
والملكوت : مبالغة في الملك بضم الميم. فالملكوت : الملك المقترن بالتصرف في مختلف الأنواع والعوالم لذلك جاء بعده (كُلِّ شَيْءٍ).
واليد : القدرة. ومعنى (يُجِيرُ) يغيث ويمنع من يشاء من الأذى. ومصدره الإجارة فيفيد معنى الغلبة ، وإذا عدي بحرف الاستعلاء أفاد أن المجرور مغلوب على أن لا ينال المجار بأذى فمعنى (لا يُجارُ عَلَيْهِ) لا يستطيع أحد أن يمنع أحدا من عقابه. فيفيد معنى العزة التامة.
وبني فعل (يُجارُ عَلَيْهِ) للمجهول لقصد انتفاء الفعل عن كل فاعل فيفيد العموم مع الاختصار.
ولما كان تصرف الله هذا خفيا يحتاج إلى تدبر العقل لإدراكه عقب الاستفهام بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) كما عقب الاستفهام الأول بمثله حثا لهم على علمه والاهتداء إليه.
ثم عقب بما يدل على أنهم إذا تدبروا علموا فقيل (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ).
وقرأ الجمهور (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) بلام الجر داخلة على اسم الجلالة مثل سالفه. وقرأه أبو عمرو ويعقوب بدون لام وقد علمت ذلك في نظيره السابق.
(وأنّى) يجوز أن تكون بمعنى (من أين) كما تقدم في سورة آل عمران [٣٧](قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) والاستفهام تعجيبي. والسحر مستعار لترويج الباطل بجامع تخيل ما ليس بواقع واقعا. والمعنى : فمن أين اختل شعوركم فراج عليكم الباطل. فالمراد بالسحر ترويج أئمة الكفر عليهم الباطل حتى جعلوهم كالمسحورين.
(بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠))
إضراب لإبطال أن يكونوا مسحورين ، أي بل ليس الأمر كما خيل إليهم. فالذي أتيناهم به الحق يعني القرآن. والباء للتعدية كما يقال : ذهب به أي أذهبه. وهذا كقوله آنفا بل آتيناهم بذكرهم [المؤمنون : ٧١].
والعدول عن الخطاب من قوله (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) [المؤمنون : ٨٩] إلى الغيبة التفات لأنهم الموجه إليهم الكلام في هذه الجملة. والحق هنا : الصدق فلذلك قوبل بنسبتهم إلى الكذب فيما رموا به القرءان من قولهم (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [المؤمنون : ٨٣] وفي