وكان المُخاطِبُ بَعِيداً ممن يُشِيرُ إليه زادوا كافاً فقالوا ذاك أخوك ، وهذه الكاف ليست في موضع خفض ولا نصب ، إنما أَشبهت كافَ قولك أَخاك وعصاك فتوهم السامعون أَن قول القائل ذاك أَخوك كأَنها في موضع خفض لإشْباهِها كافَ أَخاك ، وليس ذلك كذلك ، إنما تلك كاف ضُمت إلى ذا لبُعْد ذا من المخاطب ، فلما دخل فيها هذا اللبس زادوا فيها لاماً فقالوا ذلك أخُوك ، وفي الجماعة أُولئك إخْوَتُك ، فإن اللام إذا دخلت ذهبت بمعنى الإضافة ، ويقال : هذا أَخُوك وهذا أَخٌ لك وهذا لك أَخٌ ، فإذا أَدخلت اللام فلا إضافة. والرفع والنصب والخفض في قوله ذا سواء ، تقول : مررت بذا ورأَيت ذا وقام ذا ، فلا يكون فيها علامة رفع الإعراب ولا خفضه ولا نصبه لأنه غير متمكن ، فلما ثنَّوا زادوا في التثنية نوناً وأَبْقَوُا الألف فقالوا ذانَ أَخَواك وذانِك أَخَواك ؛ قال الله تعالى : فَذانِكَ (بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ) ؛ ومن العرب من يشدِّد هذه النون فيقول ذانِّكَ أَخَواكَ. وذي معناه ذِهْ. يقال : ذا عَبْدُ الله وذي أَمَةُ اللهِ وذِهْ أَمَةُ اللهِ وتِهْ أَمَةُ الله وتا أَمَة اللهِ. والاسم من ذلك ذا والكاف زِيدَت للمخاطبة فلا حَظَّ لها في الإعراب. ولو كان لها حظ في الإعراب لقلت ذلك نَفْسِكَ زيد ، وهذا خَطَأٌ ، ولا يجوز إلّا ذلكَ نَفْسُه زيد ، وكذلك ذانك يشهد أَن الكاف لا موضع لها ولو كان لها موضع لكان جرّاً بالإضافة ، والنون لا تدخل مع الإضافة واللامُ زِيدَتْ مع ذلك للتوكيد ، تقول : ذلِك الحَقُّ وهَذاكَ الحَقُّ.
تفسير هذا : ها وأَلا حرفان يُفْتَتَحُ بهما الكلام لا معنى لهما تقول : هَذا أَخوك ، فها تَنبيهٌ وذا اسم المشار إليه وأَخُوك هو الخبر. وقال بعضهم ها تَنْبِيهٌ تَفتتح العَرَبُ الكلامَ به بلا معنًى سِوى الافتتاح : ها إنَ ذا أَخُوك ، وأَلا إنَ ذا أَخُوك ، وإذا ثَنَّوُا الاسم المبهم قالوا تانِ أُخْتاك وهاتانِ أُخْتاك فرجَعوا إلى تا ، فلما جمعوا قالوا أُولاءِ إخْوَتُك وأُولاء أَخَواتُك ، ولم يَفْرُقوا بين الأُنثى والذكر بعلامة ، وأُولاء ، ممدودة مقصورة ، اسم لجماعة ذا وذه ، ثم زادوا ها مع أُولاء فقالوا هؤلاء إخْوَتُك. والعرب تقول كذا وكذا كافهما كاف التنبيه ، وذا اسم يُشار به.
ذو وذوات : ذُو اسم ناقص وتَفْسيره صاحِبُ ذلك ، كقولك : فلان ذُو مالٍ أَي صاحِبُ مالٍ ، والتثنية ذَوان ، والجمع ذَوُونَ ، وليس في كلام العرب شيء يكون إعرابه على حرفين غير سبع كلمات وهنّ : ذُو وفُو وأَخُو وأَبو وحَمُو وامْرُؤٌ وابْنُمٌ ، فأَما فُو فإنك تقول : رأَيت فا زَيد ، ووضَعْتُ في فِي زيد ، وهذا فُو زيد ، ومنهم من ينصب الفا في كل وجه. والأَسماء التي رفعها بالواو ونصبها بالألف وخفضها بالياء هي هذه الأحرف : يقال جاء أَبُوك وأَخُوك وفُوك وهَنُوك وحَمُوك وذُو مالٍ ، والأَلف نحو قولك رأَيتُ أَباكَ وأَخاكَ وفاكَ وحماك وهناكَ وذا مال ، والياء نحو قولك مررت بأَبِيك وأَخِيك وفِيك وحَميك وهَنِيكَ وذِي مالٍ. وتقول في جمع ذُو : هم ذَوُو مالٍ ، وهُنَ ذَواتُ مالٍ ، ومثله : هم أُلُو مالٍ ، وهُنَّ أُلاتُ مالٍ ، وفي التنزيل العزيز : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا) ذاتَ (بَيْنِكُمْ) ؛ أَراد الحالةَ التي للبَيْن ، وكذلك أَتَيْتُكَ ذاتَ العِشاء ، أَراد الساعة التي فيها العِشاء ، معنى ذات بَيْنِكم حَقِيقَةَ وَصْلِكم أَي اتَّقوا الله وكونوا مُجْتَمِعين على أَمر الله ورسوله ، وكذلك معنى اللهم أَصْلِح ذاتَ البَيْن أَي أَصْلِح الحالَ التي بها يجتمع المسلمون. والذَّوُون : الأَملاك المُلَقَّبون بذُو كذا ، كقولك ذُو يَزَنَ وذُو رُعَيْنٍ وذو فائشٍ وذُو جَدَنٍ وذُو نُواسٍ وذو أَصْبَح وذُو الكَلاعِ ، وهم مُلوك اليَمن من قُضاعَةَ ، وهم التَّبابِعة ، يعني الأَذْواء ، والأُنثى ذات ، والتثنية ذَواتا ، والجمع ذَوُون. وتكون ذو بمعنى الذي ،