( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ).
بل والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حلت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ، أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم ، لالقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها ، ولألفيتم دنياكم هذه عندي من عفطة عنز.
قالوا : وقام إليه رجل من أهل السواد ، عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا فأقبل ينظر فيه ، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت ! فقال هيهات يا ابن عباس ! تلك شقشقة (١) هدرت ثم قرت ، قال ابن عباس فو الله ما أسفت على كلام قط كأسفى على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليهالسلام بلغ منه حيث أراد.
هذا وينكر كثيرون هذه الخطبة لما تشتمل عليه من اتهام للخلفاء الثلاثة رضوان الله عليهم مما لا يصدر مثله عن أمير المؤمنين علي رحمهالله مع جلاله وعفته وتسامحه وفرط أدبه وفضله وكرمه.
٦ ـ ومن حكم الامام كرم الله وجهه.
إيمان المرء يعرف بايمانه. أدب المرء خير من ذهبه. أداء الدين من الدين. أحسن إلى المسيء تسد. إخوان هذا الزمان جواسيس العيوب. أخوك من واساك بنسب لا من واساك بنسب. بشر نفسك بالظفر بعد الصبر. بركة المال في أداء الزكاة ، بع الدنيا بالآخرة تربح. بكاء المرء من خشة الله تعالى قرة العين. باكر تسعد. بطن المرء عدوه. بركة العمر حسن العمل. بلاء الإنسان من اللسان بشاشة الوجه عطية ثانية. توكل على الله يكفك. تدارك في آخر العمر ما فاتك في أوله تكاسل المرء في الصلاة من ضعف الإيمان.
__________________
(١) الشقشقة ما مخرجة البعير من فيه إذا هاج.