طخية عمياء (١) يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ، ثم تمثل بقول الأعشى :
شتان ما يومى على كورها |
|
ويوم حيان أخي جابر (٢) |
فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته ، اذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشد ما تشطرا ضرعيها فصيراها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، يكثر العثار فيها ، والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة (٣) إن أشنق لها خرم وإن اسلس لها تقحم.
فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس ، وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله ، جعلها في جماعة (٤) زعم أني أحدهم فيالله وللشورى ، متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، لكنى أسففت إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغا رجل منهم لضعنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هن وهن ، إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون ما الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى ان انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وإلى كبت به بطنته ، فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلى ، ينثالون على من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاي ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم ، فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول :
__________________
(١) الطخية قطعة من الغيم والسحاب.
(٢) كان حيان بن السمين نديما للأعشى وهو في هذا البيت يشكون تفاوت ما بينه وبينه فهو يسير في الرمضاء على كور ناقته بينا نديمه يقيم في رفاهة العيش.
(٣) الصعبة من النياق التي لم تركب لم ترض وأشنق الرجل ناقته إذا كفها بالذمام ، وخرم أي قطع انفها.
(٤) هؤلاء الجماعة أهل الشورى هم : علي وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف.