حقكم حتى أصبحتم غرضا ترمون ولا ترمون ، ويغار عليكم ولا تغيرون ، ويعصى الله فيكم وترضون ، إذا قلت اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قروصر (١) وإن قلت لكم اغزوهم في الصيف قلتم هذه حمارة (٢) القيظ. أنظرنا ينصرم الحر عنا ، فاذا كنتم من الحر والبرد تفرون ، فأنتم والله من السيف أفر ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا طغام (٣) الأحلام ، ويا عقول ربات الحجال (٤) والله لقد أفسدتم على رأيي بالعصيان ، ولقد ملأتم جوفي غيظاً حتى قالت قريش : ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له في الحرب لله درهم (٥) ومن ذا يكون أعلم به مني وأشد لها مراساً ، فو الله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ، لكن لا رأي لمن لا يطاع ( يقولها ثلاثاً ) فقام إليه رجل ومعه أخوه ، فقال يا أمير المؤمنين : أنا وأخي هذا كما قال تعالى : ( رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي ) فمرنا بأمرك ، فوالله لننتهين إليه ولو حال دونه جمر الغضى وشوك القتاد ، فدعا لهما بخير ، ثم قال لهما وأين تقعان مما أريد.
٥ ـ وهذه هي خطبته المشهورة المسماة : الخطبة الشقشقية :
أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة ، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ، ولا يرقى إلى الطير ، فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا ، وطفقت رتثي به بين أن أصول بيد جذاء (٦) أو أصبر على
__________________
(١) القر بالضم : ويوم فر بالفتح وليلة قرة كذلك باردة والقرة بالكسر البدر والرجل مقرور. والصر الريح الشديد كالصرصر.
(٢) حمارة القيظ شدته ومثلها صبارة الشتاء.
(٣) الطغام : السفلة من الناس والواحد طغامة.
(٤) الحجال جمع حجلة وهي الستر أي ذوات الخدور كناية عن النساء أو جمع حجل بكسر فسكون وهو الخلخال.
(٥) الدر : النفس ، واللبن ، العمل ، والمراد من نسبة الدر إلى الله بأحد هذه المعاني هو تعظيمه لأن الشيء إذا نسب إلى العظيم كان عظيما.
(٦) اليد الجذاء المقطوعة.