اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلى آخر الآية».
لا يكلّف الله أحدا فوق طاقته ، وهذا من لطفه تعالى ورأفته بهم ، وهذه الآية هي التي أوضحت للصحابة ما أشفقوا منه في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) أي أنه تعالى وإن حاسب وسأل ، لكن لا يعذّب إلا بما يملك الشخص دفعه ، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها ، فهذا لا يكلّف به الإنسان ، علما بأن كراهية وسوسة السّوء من الإيمان.
ومنع التّكاليف الشّاقة والتّكليف باليسير مشار إليه في كثير من آي القرآن ، نحو : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة ٢ / ١٨٥] ، ونحو : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج ٢٢ / ٧٨].
وللنّفس الإنسانيّة من الأعمال التي تدخل تحت التّكليف المحتمل غير الشّاق ما كسبت من خير وما اكتسبت من شرّ ، ولها الثواب على الخير ، وعليها العقاب على الشّر.
وأضيف الاكتساب إلى الشّر لبيان أنه يحتاج إلى تكلّف وعناء وتخطيط ومصادمة الطبيعة والأعراف ، أما الخير فلا يحتاج إلى جهد كثير ؛ لأنه مما أودع الله في طبع الإنسان ، وترتاح النفس لفعله ، ولا يحتاج إلى حذر وتدبير ، ويقدم الإنسان عليه كلما صفت نفسه وأحسّت بضعفها أمام الخالق ، وبفقرها إليه يوم المحنة الكبرى وكشف الحساب الدّقيق الشامل الرّهيب أمام الله والنّاس.
ثم أرشد الله تعالى عباده إلى هذا الدّعاء ، وقد تكفّل لهم بالإجابة وهو : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) أي إن تركنا فرضا نسيانا ، أو فعلنا حراما ناسين ، أو أخطأنا الصواب في العمل جهلا منا بوجهه الشرعي ، فلا تعاقبنا عليه ، يؤيده ما رواه ابن ماجه والبيهقي والطبراني والحاكم عن أبي ذرّ