التفسير والبيان :
حببت الشهوات للناس وحسّنت في أعينهم وقلوبهم ، حتى صار حبها غريزة أو فطرة عندهم ، فمن أحب شيئا ولم يزين له ، يوشك أن يعدل عنه يوما ما ، ومن زين له حبه ، فلا يكاد يعدل عنه. ولقد عبر القرآن عن الأشياء المشتهاة بالشهوة ذاتها مبالغة في كونها مشتهاة مرغوبا فيها ، وإشارة إلى أن الشهوة مذمومة حتى يعتدل الإنسان في حبه لها ، ويعدّل غريزته نحوها ، ولا يحمله حبّه الدنيا حبا أعمى ، وتعلقه بالزعامة الموقوتة ، والمال الزائل على طمس معالم الحق وعدم الإيمان بدين الحق ، الذي عرفوه كما عرفوا أبناءهم ، مثل وفد نصارى نجران وغيرهم من زعماء الكفر.
ومن المزين للشهوات؟ قيل : المزين هو الله للابتلاء والاختبار ، بمعنى أن الله فطر الناس على حب هذه الشهوات ، كما قال : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف ١٨ / ٧] وقال : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) [الأنعام ٦ / ١٠٨].
وقيل : المزين هو الشيطان بالوسوسة وتحسين الميل للشهوات للإضلال ، كما قال تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [الأنفال ٨ / ٤٨].
وعلى أي حال ، الإسلام دين ودنيا ، فلا يقصد من هذه الآية المنع من مجرد حب معتدل للشهوات ، وإنما الممنوع المبالغة في الحب والإسراف في الشهوات ، والاشتغال بها ، حتى تطغى على العقيدة والدين ، ويهمل أمر الآخرة ، بدليل قوله تعالى : (قُلْ : مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف ٧ / ٣٢].
ثم ذكر الله تعالى أصنافا ستة من المشتهيات والملاذ وهي :