فقه الحياة أو الأحكام :
إن نظرة الإنسان في الغالب آنية وقتية ، لا ينظر إلى المستقبل البعيد ، ولا يقارن بين الباقي الدائم والمنقطع الموقت ، لذا كان القرآن أكبر مساعد للعقل على التزام جادة التفكير السوي والاستقامة. فإن الخالد المستمر أفضل من الذي يزول بسرعة ، وهكذا كانت هذه الآية مع الآية السابقة مقارنة مبينة ما هو الأصلح للإنسان ، تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها.
وهذه الآية والتي قبلها نظير قوله عليه الصلاة والسلام : «تنكح المرأة لأربع : لما لها وحسبها وجمالها ودينها ، فاظفر بذات الدين ، تربت يداك» (١).
والذي هو خير من الدنيا وشهواتها وكل ما فيها هو جنان الخلد وما فيها من متع خالصة كالحور العين والولدان المخلدين ، وعبر عن الحور بالأزواج المطهرة المبرأة من عيوب نساء الدنيا خلقا وخلقا ، وهو أيضا الفوز برضوان الله ، وهو أعظم المتع كلها في الآخرة عند أهل التقوى ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى لهم : «تريدون شيئا أزيدكم؟» فيقولون : يا ربنا ، وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول : «رضاي ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا» (٢).
والجمع بين الجنات والرضوان الإلهي يشير إلى أن أهل الجنة درجات ، كما أن أهل النار في دركات ، فمن أهل الجنة : من يرغب في لذات الدنيا الحسية ، ومنهم من ارتقى إدراكه واشتد اهتمامه بقربه من ربه ، فيتمنى رضاه ويفضله على أي شيء سواه.
__________________
(١) أخرجه مسلم وغيره عن أبي هريرة ، ومعنى : تربت يداك : افتقرت ، ولا يراد بها الدعاء ، وإنما يراد الحث والتحريض.
(٢) أخرجه مسلم.