(وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء ٤ / ٥٨] ، فالله عادل في الشريعة وفي الكون ، حيث إنه أتقن نظام الكون وعدل بين القوى الروحية والمادية ، وأقام التوازن الدقيق في الأحكام بين الإنسان والخالق ، وبين الفرد والجماعة ، وبين الإنسان وأخيه ، وبين فئات الناس في مجتمع ما ، بين الغني والفقير ونحو ذلك.
ثم أكد سبحانه انفراده بالألوهية بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) والعزيز : هو القوي الذي لا يغلب ، الكامل القدرة ، السامي العظمة والكبرياء. والحكيم : الذي يضع كل شيء في موضعه الصحيح ، سواء في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
ثم ذكر نوع الدين الذي ارتضاه لعباده من بدء الخليقة إلى يوم القيامة : وهو دين الإسلام لا غيره ، فهذا إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد ، سوى الإسلام : وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين ، حتى ختموا بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، أي اتباع الملل والشرائع التي جاء بها الأنبياء والمرسلون ، فهم إن اختلفوا في الفروع ، لم يختلفوا في الأصول وجوهر الدين : وهو التوحيد والسلام ، والعدل في كل شيء. فمن لقي الله بعد بعثه محمد صلىاللهعليهوسلم بدين على غير شريعته ، فليس بمتقبل ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [آل عمران ٣ / ٨٥].
ومعنى الإسلام : السلام والصلح ، والخضوع والانقياد لله ، كما قال تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ، وَهُوَ مُحْسِنٌ ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النساء ٤ / ١٢٥].
وتشريع الدين له هدفان : تصحيح الاعتقاد وحصر معنى الألوهية والربوبية بالله تعالى ، وإصلاح النفوس بالنية الخالصة لله وللناس وبالعمل الصالح.