ثم أخبر الله تعالى بأن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) إنما اختلفوا بعد ما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم ، وبأن محمدا هو خاتم الأنبياء وهو المبشر به عندهم : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة ٢ / ١٤٦].
فصاروا شيعا ومذاهب يقتتلون في الدين ، وتفرقت كلمتهم في شأن محمد صلىاللهعليهوسلم بعد ما جاءهم العلم اليقيني بنبوته ، وبأن الدين واحد لا مجال للاختلاف فيه ، إلا بسبب البغي والحسد ، فكان ذلك سببا للفرقة ، وكان اختلافهم في شأن محمد حسدا من عند أنفسهم ، وبغيا بينهم ، وحرصا على الدنيا وما فيها.
والخلاصة : أن اختلافهم في أصل الدين الحق وفي نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم كان بسبب بغي بعضهم على بعض ، وتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم ، فخالف بعضهم البعض الآخر في جميع أقواله وأفعاله ، وإن كانت حقا.
ثم هدد تعالى بأن من أنكر آيات الله التكوينية في الأنفس والآفاق وجحد ما أنزل الله في كتابه مما يوجب الاعتصام بالدين ووحدته ، فإن الله سيجازيه على ذلك ، ويحاسبه على تكذيبه ، ويعاقبه على مخالفته كتابه.
ثم حسم الله تعالى مجادلة أهل الكتاب وغيرهم في التوحيد ، فقال : فإن جادلك أهل الكتاب أو غيرهم في التوحيد ، فقل : أخلصت عبادتي لله وحده لا شريك له ، ولا ندّ له ، ولا ولد له ، ولا صاحبة له ، وهذا مبدئي ومبدأ من اتبعني على ديني من المؤمنين ، كما قال تعالى : (قُلْ : هذِهِ سَبِيلِي ، أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف ١٢ / ١٠٨] فلا فائدة في الجدل مع أمثال هؤلاء ، بعد أن قامت الأدلة على وجود الله ووحدانيته ، وبطلت شبهات الضالين.
ثم قال تعالى آمرا عبده ورسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يدعو إلى طريقته ودينه والدخول في شرعه وما بعثه الله به ، أهل الكتاب ومشركي العرب ، فيقول لهم :