كما لا تمنع الآيات في هذا الموضوع موادّة ومجاملة غير الحربيين من غير المسلمين في الظاهر مع عدم الرّضا بكفرهم في الحقيقة والباطن ، ولا تمنع معاملة غير المسلم أو معاشرته أو الثقة به في أمر خاص من الأمور ، لا يمسّ مصلحة المسلمين العامة ، بدليل آيات : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ، وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ، وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة ٦٠ / ٧ ـ ٩].
فالكفار الحربيون الذين آذوا المسلمين أو ظاهروا على إخراجهم من بلادهم أو اغتصبوا بعض بلادنا كفلسطين ، لا تحلّ موالاتهم بل تجب معاداتهم ، للآية المتقدّمة.
٢ ـ وفي الآية دليل على أنه لا يجوز الاستعانة بالكفار في الحرب ، وإليه ذهب بعض المالكية ، ولقوله صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه مسلم عن عائشة ـ لرجل تبعه يوم بدر : «ارجع فلن أستعين بمشرك» ، ولأنه لا يؤمن غدرهم ، إذ العداوة الدينية تحملهم على الغدر إلا عند الاضطرار.
وأجاز الأكثرون من أتباع المذاهب الأربعة الاستعانة بالكافر على الكفار ، إذا كان الكافر حسن الرأي بالمسلمين ، وقيّد الشافعية ذلك أيضا بالحاجة ؛ لأن النّبي صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه مسلم ـ استعان بصفوان بن أمية يوم حنين لحرب هوازن ، وتعاونت خزاعة مع النّبي صلىاللهعليهوسلم عام فتح مكة ، وخرج قزمان ـ وهو من المنافقين ـ مع الصحابة يوم أحد ، وهو مشرك. وأما حديث «ارجع فلن أستعين بمشرك» فهو منسوخ بدليل استعانته صلىاللهعليهوسلم بيهود قينقاع وقسمه لهم من الغنيمة.
٣ ـ وفي الآية أيضا دليل على مشروعية التّقية : وهي المحافظة على النفس أو العرض أو المال من شرّ الأعداء.