الذي نوحيه إليك على يد جبريل الروح الأمين ، لتكون دليلا على صحة نبوتك ، وإلزام المعاندين لك. فهذا تقرير وتثبيت أن ما علمه من ذلك إنما هو بوحي من الله تعالى ، والمعلم به قصتان : قصة مريم ، وقصة زكريا.
وما كنت حاضرا معهم حينما جاءت امرأة عمران ، وألقت مريم في بيت المقدس ، وتنافس الأحبار في رعايتها وخدمتها ، فهي بنت سيدهم وكبيرهم ، وأخذوا يستهمون (يقترعون) في ذلك ، فجاءت القرعة لزكريا ، فكان كافلها.
وما كنت شاهدا عليهم إذ يتنازعون ويتخاصمون في كفالتها ، ولم يتفقوا عليها إلا بعد القرعة. وإذ لم تعلم بهذه القصة ولا قومك لأنك أمي مثلهم ، فلم يبق لك طريق للعلم إلا الوحي من الله تعالى. أما المشاهدة للخصومة فقد نفاها الله تعالى على سبيل التهكم. وهي كما قال تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) [هود ١١ / ٤٩].
وأما تعليم البشر ـ كما زعموا ـ فرده الله تعالى بقوله : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل ١٦ / ١٠٣] وهو النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب.
وهذه الآية مثل المذكور عقب قصة نوح عليهالسلام : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) [هود ١١ / ٤٩] والمذكور بعد قصة موسى وشعيب : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) [القصص ٢٨ / ٤٤].
فقه الحياة أو الأحكام :
أرشدت الآية إلى تفضيل السيدة مريم عليهاالسلام على نساء العالمين أجمع في قول الزجاج وغيره ، وعلى عالمي زمانها في قول أكثر المفسرين. وكرر الاصطفاء ؛ لأن معنى الأول : الاصطفاء لعبادته ، ومعنى الثاني لولادة عيسى.