روى مسلم والجماعة إلا أبا داود عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران ، وآسية امرأة عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». والكمال : هو التناهي والتمام ، وكمال كل شيء بحسبه ، والكمال المطلق إنما هو لله تعالى خاصة. ولا شك أن أكمل نوع الإنسان : الأنبياء ثم يليهم الأولياء من الصديقين والشهداء والصالحين.
وروي من طرق صحيحة أنه عليه الصلاة والسلام ـ فيما رواه الترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة وأنس بن مالك : «خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد» وفي رواية أخرى : «سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم : فاطمة وخديجة». فهذه الأحاديث تدل على فضيلة مريم وأن روح القدس كلمها ، وظهر لها ، ونفخ في درعها ، ودنا منها للنفخة ، وصدقت بكلمات ربها ، ولذلك سماها الله في تنزيله صدّيقة فقال : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) وقال : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ ، وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم ٦٦ / ١٢].
ودلت الآية على أن مريم كانت كثيرة العبادة والخشوع والركوع والسجود والدأب في العمل ، مما هيأها لمحنة لها ورفعة في الدارين.
ودل قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) على نبوة محمدصلىاللهعليهوسلم ، حيث أخبره الله عن قصة زكريا ومريم ، ولم يكن قرأ الكتب ، وأخبر الناس عن ذلك ، وصدّقه أهل الكتاب بذلك. والإيحاء هنا : الإرسال إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
واستدل بعض علماء المالكية بهذه الآية (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ ...) على إثبات القرعة ، وهي في أصل شرعنا لكل من أراد العدل في القسمة ، وهي