سنة عند جمهور الفقهاء في المستويين في الحجة ليعدل بينهم ، وتطمئن قلوبهم ، وترتفع الظّنّة عمن يتولى قسمتهم ، ولا يفضل أحد منهم على صاحبه إذا كان المقسوم من جنس واحد اتباعا للكتاب والسنة. وردّ العمل بالقرعة أبو حنيفة وأصحابه ، وردوا الأحاديث الواردة فيها ، وأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها. وأجيبوا بالآثار والسنة ، قال أبو عبيد : وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء : يونس وزكريا ونبينا محمد صلىاللهعليهوسلم. وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» (١) وكان النبيصلىاللهعليهوسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه.
ودلت الآية أيضا على أن الخالة أحق بالحضانة من سائر القرابات ما عدا الجدّة ، وقد قضى النبي صلىاللهعليهوسلم في ابنة حمزة ـ واسمها أمة الله ـ لجعفر ، وكانت عنده خالتها ، وقال فيما رواه الترمذي والشيخان عن البراء : «الخالة بمنزلة الأم» وكان زكريا قد قال لأحبار بيت المقدس:ادفعوها لي فإن خالتها تحتي ، فأبوا واقترعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة فقرعهم زكريا ، فكفلها.
وكيف تمت القرعة؟ لما نذرت امرأة عمران والدة مريم ما في بطنها لخدمة الهيكل ، جاءت بها إلى خدام الهيكل ، فكل واحد منهم أراد أن يكفلها وألقوا قرعة على ذلك ، فكانت مريم نصيب زكريا ، فقام بأمرها كما قال تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا).
قال بعض العلماء : الحكمة في أنّ الله لم يذكر في القرآن امرأة باسمها إلا (مريم) : هي الإشارة من طرف خفي إلى رد ما قاله النصارى من أنها زوجته ، فإن العظيم يأنف من ذكر اسم زوجته بين الناس ، ولينسب إليها عيسى باعتبار عدم وجود أب له ، ولهذا قال في الآية التالية : (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ).
__________________
(١) حديث صحيح رواه أحمد والشيخان والنسائي.