الحركة وبعثه بسرعة وسهولة ، كأنّه كان نائما ثم استيقظ ، فوجد القرية قد عمرت بعد سبعين سنة من موته ، وتكامل ساكنوها ، ورجع إليها بنو إسرائيل. فقيل له بواسطة الملك : كم وقتا لبثت؟ وسئل هذا السؤال ليظهر عجزه عن الإحاطة بشؤون الله تعالى. وأكثر المفسّرين على أن ظاهر هذه الإماتة : أنها بإخراج الرّوح من الجسد ، والأظهر أن القائل : هو الله تعالى ، من طريق ملك أو هاتف من السماء يقول له ذلك.
فقال : لبثت يوما أو بعض يوم ، على التّقريب والظنّ والتّخمين ، لأنّه مات أوّل النهار ، ثم بعثه الله في آخر النهار ، فلما رأى الشمس باقية ظنّ أنها شمس ذلك اليوم ، فقوله هذا على ما عنده وفي ظنّه ، فلا يكون كاذبا فيما أخبر به ، ومثله قول أصحاب الكهف : (قالُوا : لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف ١٨ / ١٩] ، وإنّما لبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين.
فأجيب : بل لبثت مائة عام ، فانظر لترى دلائل قدرتنا إلى طعامك وشرابك طوال هذه المدّة ، لم يتغيّر ولم يفسد ، مع أنّ العادة جرت بفساد مثله بمضي مدّة قليلة.
وانظر أيضا لترى الدّليل على قدرتنا إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتقطّعت أوصاله ، لتتبيّن تطاوّل مرور الزّمان عليه وعليك وأنت راقد أو نائم فعلنا بك ما فعلنا لتعاين ما استبعدته ، ولتتيقّن ما تعجبت منه ، ولنجعلك دليلا على المعاد ، وآية دالّة على تمام قدرتنا على البعث يوم القيامة ، كقوله تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان ٣١ / ٢٨] ، فقوله : (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) دليل على البعث بعد الموت.
وانظر كيف نرفع عظام حمارك المتناثرة يمينا وشمالا ، فيركب بعضها على بعض ، ونردها إلى أماكنها من الجسد ، ثم نكسوها لحما وعصبا وعروقا وجلدا ،